للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضميمة ما ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه تصدق بكل ماله، وقبله النبي صلى الله عليه وسلم منه (١).

الثاني: يجزئ عنه التصدُّق بثلث ماله: وهو مذهب مالك وأحمد -في الرواية المشهورة- والليث والزهري، وحجتهم:

حديث كعب بن مالك رضي الله عنه -في قصة توبة الله على الثلاثة الذي خلفوا- قال في آخره: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِك عليك بعض مالك فهو خير لك» (٢).

وفي رواية: إن من توبتي أن أخرج من مالي كله لله ورسوله صدقة، قال: «لا» قلت: فنصفه؟ قال: «لا» قلت: فثلثه؟ قال: «نعم»، قلت: «فإني أُمسك سهمي الذي بخيبر» (٣).

قالوا: وظاهر الحديث أن كعبًا جاء مريدًا التجرد من جميع ماله على وجه النذر والتوبة، لم يكن مستشيرًا، فأمره صلى الله عليه وسلم بإمساك بعض ماله وصرَّح بأن ذلك خير.

واعترض على هذا الاستدلال (٤): بأن اللفظ الذي أتى به كعب بن مالك ليس بتنجيز صدقة، حتى يقع في محل الخلاف، وإنما هو لفظ عن نية قصد فعل متعلقها، ولم يقع بعد، فأشار صلى الله عليه وسلم بأن لا يفعل ذلك، وأن يمسك بعض ماله، وذلك قبل إيقاع ما عزم عليه، هذا هو ظاهر اللفظ أو هو محتمل له، وكيفما كان فتضعف الدلالة منه على مسألة الخلاف. اهـ.

وأجيب (٥): بأن ظاهر أنه جازم غير مستشير، لأن اللفظ مبدوء بجملة خبرية مؤكدة بحرف التوكيد، الذي هو «إن» المكسورة في قوله (إن من توبتي ...) واللفظ الذي هذه صفته لا يمكن حمله على التوقف والاستشارة.

قالوا: ويؤيد هذا أن أبا لبابة لما تاب الله عليه قال: يا رسول الله، إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك وأن أنخلع من مالي صدقة لله عز وجل ولرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، يجزئ عنك الثلث» (٦).


(١) صحيح: أخرجه أبو داود (١٦٧٨)، والترمذي (٣٦٧٥)، والدارمي (١٦٦٠).
(٢) صحيح: أخرجه البخاري (٢٧٥٨)، ومسلم (٢٧٦٩).
(٣) إسناده حسن: أخرجه أبو داود (٣٣٣١).
(٤) «إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٢)، ح (٣٧٢).
(٥) «أضواء البيان» للشنقيطي (٥/ ٦٨٥).
(٦) في سنده اختلاف: أخرجه أبو داود (٣٣١٩)، وأحمد (٣/ ٤٥٢ - ٥٠٢)، ومالك (١٠٣٩)، والطبراني (٥/ ٣٣)، والدارمي (١٦٥٨)، والبيهقي (١٠/ ٦٨)، والحاكم (٣/ ٧٣٣٣) وفي سنده اختلاف شديد على الزهري، فليحرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>