للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: لا يلزمه شيء، وهو رواية عن أبي حنيفة (في غير المال الزكوي) وهو مذهب أبي محمد بن حزم (إذا خرج مخرج اليمين) مستندًا إلى أن التصدق بكل المال ليس مشروعًا، واستدل بما يأتي:

١ - قوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} (١).

٢ - قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (٢) قال: فلام الله سبحانه وتعالى ولم يحب من تصدق بكل ما يملك. اهـ.

٣ - حديث جابر بن عبد الله قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله، أصبتُ هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه مرارًا، وهو يردد كلامه هذا، ثم أخذها عليه السلام فحذفه بها، فلو أنها أصابته لأوجعته أو لعقرته، وقال عليه السلام: «يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد فيتكفف الناس!! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» (٣).

قال: وإن احتجوا بقوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (٤).

فليس فيه أنهم لم يُبقوا لأنفسهم معاشًا إنما فيه أنهم كانوا مقلين ويؤثرون من بعض قوتهم. اهـ.

الراجح:

الذي يظهر لي أن إطلاق القول الأخير ضعيف، والتصدق بكل المال مشروع، فقد ثبت أن أبا بكر رضي الله عنه أتى بكل ماله فدفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منه، وأثنى عليه خيرًا، وكذلك تصدق عمر بنصف ماله -وهو فوق الثلث!! - فقبله منه صلى الله عليه وسلم (٥) فالظاهر أن من نذر كلَّ ماله -وكان لا يتضرر ولا رعيته بذلك- يلزمه التصدق بالمال كله.

فإن كان في هذا ضرر عليه أو على رعيته، فحينئذ يلزمه التصدُّق بما لا يُضر


(١) سورة الإسراء: ٢٦.
(٢) سورة الأنعام: ١٤١.
(٣) إسناده لين: أخرجه أبو داود (١٦٧٣)، والدارمي (١٦٥٩)، وعبد بن حميد (١١٢١)، وأبو يعلى (٢٠٨٤)، وابن حبان (٣٣٧٢) وفيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس.
(٤) سورة الحشر: ٩.
(٥) صحيح: تقدم قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>