للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إني نذرتُ إذا انصرفت من غزوتك سالمًا أن أضرب على رأسك بالدُّف، فقال لها: «أوفي بنذرك» (١).

وضرب الدف إذا لم يكن مباحًا فهو إما مكروه أو أشد من المكروه، ولا يكون قربة أبدًا، فإن كان مباحًا فهو دليل على وجوب الوفاء بالمباح، وإن كان مكروهًا فالإذن بالوفاء به يدل على الوفاء بالمباح بالأَوْلى، وكذلك إيجاب الكفارة على من نذر نذرًا لم يسمِّه (٢) يدلُّ على وجوب الكفارة بالأَوْلى في المباح، فالحاصل أن النذر بالمباح لا يخرج عن أحد القسمين: إما وجوب الوفاء به، أو وجوب الكفارة مع عدم الوفاء ...» اهـ (٣).

وقال البيهقي -رحمه الله- (١٠/ ٧٧): «يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما أذن لها في الضرب لأنه أمر مباح، وفيه إظهار الفرح بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجوعه سالمًا، لا أنه يجب النذر، والله أعلم» اهـ.

قلت: لكن يشكل على ما ذكره البيهقي -رحمه الله- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إن نذرت فافعلي، وإلا فلا» (٤) فدل على أنه إنما أمرها بذلك إيفاء لنذرها، لكن يبقى أن ضَرب المرأة بالدفِّ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبمحضر الرجال من الصحابة غير مشروع، فالظاهر أن هذا الحديث واقعة عين فلا عموم لها، ولا ينبغي الاستدلال به والأصل أن النذر إنما يكون بما فيه قربة، وهو عبادة فلا يكون إلا بما شرعه الله تعالى، فالذي يظهر أن المباح يُنظر فيه: فإذا كان وسيلة لواجب أو مستحب (طاعة) فينعقد النذر به، لأن للوسائل حكم المقاصد، وإن لم يكن كذلك فالصواب أنه لا ينعقد به النذر كما قال الجمهور، والله أعلم.

٢ - أن يكون المنذور معصية في ذاته (نذر المعصية):

إذا نذر الإنسان معصية كشرب خمر أو قتل نفس مُحرمَّة أو ذبح على قبر أو شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، أو مخالفة للتسوية بين الأولاد، أو تفضيل


(١) صحيح: أخرجه الترمذي (٣٦٩٠)، وأبو داود (٣٣١٢)، وأحمد (٥/ ٣٥٦)، وابن حبان (٤٣٨٦).
(٢) سيأتي الحديث بهذا قريبًا.
(٣) «الروضة الندية» (ص: ١٧٧ - ١٧٨).
(٤) هذا لفظ أحمد (٥/ ٣٥٣)، وابن حبان (٤٣٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>