للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ذلك فما أدري ما يقول رسول الله وأنا رجل شاب، يمكن أن أخدم نفسي.

وهكذا مضى خمسون يوما على هذه المصيبة (١)، وبينما كنت راقدا أفكر في مصيبتي تلك، صعدت إلى جبل سلع (٢) قريبا من بيتي، فسمعت أبا بكر الصديق ينادي: فلتبشر يا كعب فقد قبلت توبتك".

وقدم أصدقائي وأحبابي على هذا الصوت من بعيد وراحوا يبشرونني بقبول توبتي، فخررت ساجدا، وبعد أن أديت سجدة الشكر انطلقت إلى رسول الله.

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس مع المهاجرين والأنصار، رآني المهاجرون فباركوا لي قبول توبتي وأما الأنصار فسكتوا، فتقدمت وسلمت، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر، وكان - صلى الله عليه وسلم - من عادته أن يبرق وجهه من السرور.

قال: أبشر يا كعب بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك، أقدم فقد قبل رب العالمين توبتك.

فقلت: إن من توبتي أن أنخلع عن مال صدقة إلى الله وإلى رسوله.

فقال: أمسك عليك بعض مالك؟

فقلت: النصف.


(١) استغرق سفر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك خمسين يوما ولذا عزل المتخلفين عن أهلهم وعن المسلمين مثل هذه المدة.
(٢) ورد ذكر جبل سلع في حديث البخاري وعليه نعرف أنه يقع داخل المدينة وكان بيت الصحابي كعب ابن مالك على مقربة منه، وقد ذكر الطبري في بيانه لغزوة الخندق عن ابن إسحاق: وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب هناك عسكره والخندق ... إلخ". وهذا يدل على أن المسلمين في غزوة الخندق حين حوصروا في المدينة وهم يواجهون الأعداء نزل الجيش الإسلامي قريبا من جبل سلع، وكان المسلمون أنذاك أمامهم الخندق وسلع من خلفهم، ولحسان بن ثابت شعر في غزوة الخندق يذكر فيه موت عمرو بن عبد ود فيقول:
أمسى الفتى عمرو بن عبد ثاويا ... بجنوب سلع ثارة لم ينظر
وقد جاء هذا البيت من الشعر في قصيدة كعب بن مالك عن غزوة الخندق.
ألا أبلغ قريشا إن سلعا ... وما بين العريض إلى العماد
ولننظر مع هاتين الروايتن ما ورد في كتاب النبي اشعيا، (الأصحاح ٤٣/ ١٥) والذي ذكر فيه سكان سلع ويتضح منه بجلاء أن اسم المدينة في كتب الأنبياء كان سلع.

<<  <   >  >>