الراهب بعض الهدايا وانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقدم للنبي القعب والعصا والبرد (الذي ظل محفوظا حتى عهد الخلفاء العباسيين) وأقام الراهب بعد ذلك في المدينة المنورة فترة من الزمن يدرس تعاليم الإسلام، ثم استأذن من رسول الله في العودة إلى قومه على وعد بلقاء آخر، إلا أنه لم يعد حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وصل الأسقف أبو حارثة بعد هذا الوفد بفترة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان الأسقف أبو حارثة رئيس كنيسة وكان موضع احترام ملك الروم في القسطنطينية وكان أكثر الناس يقدرونه تقديرا خاصا لما له من كرامات تنسب إليه شخصيا كما كان يعد مجتهدا في الدين، حين وصل إلى النبي كان معه الأيهم وهو قاض وحاكم، وكان يلقب بالسيد، وعبد المسيح الملقب بالعاقب، وكان حاكما للمنطقة كلها وكان معهم أربعة وعشرون من الرؤساء المشهورين وضمت القافلة كلها ستين راكبا، وصلوا إلى المسجد النبوي وقت العصر وكان ذلك وقت صلاتهم أو لعله كان يوم الأحد فأذن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة في المسجد، فصلوا في الجانب الشرقي من المسجد، وقد أراد بعض المسلمين أن يمنعوهم من الصلاة في المسجد النبوي ولكن النبي منع هؤلاء المسلمين من ذلك.
وكان اليهود أيضا يأتون لرؤيتهم، وكانوا يتباحثون معهم أحيانا، وذات مرة قالت اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن إبراهيم كان يهوديا، وقال هؤلاء النصارى إنه كان نصرانيا، فنزلت في ذلك الآيات التالية {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ... ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ... ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ... إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}(آل عمران: ٦٥ - ٦٨).
ومرة قالت اليهود (بهدف الاعتراض على المسلمين والنصارى): هل تريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟
فقال نصراني من نجران: أخبرنا يا محمد هل تنوي هذا وتدعونا إلى هذه العقيدة؟
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني.