للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. ... ... ... ... ... ... ... ... ...


= ربه قد قلاه وودعه، فنزلت آيات بهذه المناسبة تضمنت تنبؤا إذ يقول تعالى: {وللآخرة خير لك من الأولى} ولننظر إلى تحقق هذا التنبؤ فيما يتعلق بالوحي فمن المعروف أن السور المدنية مثل البقرة وآل عمران والمائدة والأنعام تفضل السور المكية من ناحية الأحكام والأسرار والتفصيل، إذ أن السور المكية تحتوي فقط على العقائد أو الأحكام المجملة.
والآية الكريمة تبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتدرج إلى الرقي كما أن نجاحه يمضي تباعا خطوة بعد خطوة، وحياته - صلى الله عليه وسلم - إخبار واضح بهذا، ومن الواضح أن أحدا لا يمكن أن يتنبأ عن حياته بمثل هذا التنبؤ الواضح في وجود مثل تلك العداوة الشديدة والمعارضة، اللهم إلا إذا كان هذا الشخص مؤيدا من عند الله، ولما كان لفظ "الآخرة" يطلق على الحياة المقبلة أيضا التي تبدأ "يوم الحساب" لهذا آمن المسلمون بأن فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - يظهر بوضوح في هذا العالم - لأهل الدنيا جميعا، ولأن الإخبار التي ورد في القرآن الكريم قبلا يظهر صدقه في هذه الدنيا لحظة بلحظة، فإن إيمان المسلمين واعتقادهم سابق الذكر قائم على أساس صحيح وقوي.
ـ[التنبؤ الخامس]ـ:
توفي نجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل الأعداء يفرحون لأن محمدا لن يجد من يحمل اسمه من بعده، فورد في القرآن الكريم هذا الإخبار {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحرء إن شانئك هو الأبتر}.
والكوثر صيغة مبالغة من الكثرة، ويتضمن هذا اللفظ جميع العطايا والنعم الظاهرة والباطنة التي أعطيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سيعطاها في الجنة (ومنها حوض الكوثر) ويتضمن هذا اللفظ أيضا العدد العظيم للأمة المحمدية. وهو العدد الذي يصلي ويسلم على النبي عشرات المرات في اليوم الواحد. ويشهد له بالصدق وينشر اسمه الكريم في الدنيا أجمع، فلا تخلو قارة أو دولة أو محافظة من وجود المسلمين، أما أعداء الله ورسوله فقد إنمحت أسماؤهم فلم يعد يعرفهم أحد، وهكذا فإن هذا التنبؤ القرآني ينشر اليوم نوره أمام العالم بكل صدق.
ـ[التنبؤ السادس]ـ:
كان المسلمون يطردون من مكة، كانوا بلا مأوى، وبلا متاع، البلاد كلها تعاديهم وبدا كأنهم منتهون من هذه الدنيا بأسرع ما يمكن، وحينئذ جاء خبر القرآن الكريم: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم}.
والأمة التي اصطفاها الله قبل أمة محمد كانت أمة بني إسرائيل والأرض التي وعد الله بها إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وداود عليهم السلام هي أرض الميعاد، وهي حتى الأبد من نصيب أولاد إبراهيم (سفر التكوين ٢٤/ ٧) واستمر هذا الوعد في بني إسرائيل بعد إبراهيم عليه السلام، فامتلكوا هذه الأرض وحكموها لآلاف السنين، وأخبر القرآن الكريم في هذه الآية أن الوعد المذكور سوف يتحقق مع الفرع الثاني لإبراهيم عليه السلام أي مع المسلمين، وهذا التنبؤ قد غير تاريخ آلاف السنين، فقد آلت أرض الشام إلى المسلمين في زمن خلافة أبي بكر وعمر، والآن يشهد تاريخ ثلاثة عشر قرنا على صدق هذا التنبؤ، وهذا دليل بين وواضح لكل جاحد ومنكر قإلى من آل ملك الشام وفي حق أية أمة تحقق وعد الله الأبدي المحتم. =

<<  <   >  >>