للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهادة تعني الإخبار بحقيقة الأمر وإقناع الشخص الآخر بذلك الأمر. والشهادة التي قام بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبها وصل الناس إلى درجة التيقن، كانت تتعلق بإثبات وجود الله سبحانه وتقديس ذاته وتنزيه صفاته، وسلسلة الوحي والنبوة وبيان الأعمال وما يترتب عليها من الثواب والعقاب وبيان حقيقة الثواب والعقاب، وإثبات وجود عالم المعاد والأرواح وعالم الغيب، فهذه كلها أمور بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - بوضوح، وكمال علم، ودلائل دامغة، وبراهن قاطعة. وجعل بقوله وعمله قلوب الملحدين والمنكرين والماديين، تؤمن بصدقها، وكان ذلك نصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده، ومن المعروف أن القدرة الإلهية والحكمة الربانية استشهداه أمام العالم. والحقيقة أن قلة الشهداء وكثرتهم لا تؤثر شيئا على ثبوت أمر أو نفيه. إذ أن ما يدعم الشهادة ويوصلها إلى درجة الصدق هو كون الشاهد ثقة وصادقا أمينا، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصدق والأمانة لدرجة أن الكفار حين سألوا أبا بكر رضي الله عنه عما حمله على أن يؤمن بمحمد رسولا؟ قال أبو بكر يرد عليهم: ليست هاتان الشفتان لكاذب. وكذلك قال هرقل مجيبا على أبي سفيان: إن الرجل الذي لم يكذب على الخلق لا يمكن أن يكذب على الله. وكان أبو جهل العدو اللدود قد قال: يا محمد! لا أظنك كاذبا ولكن قلبي لا يطمئن لما تقول.

فسواء قبل الناس الشهادة أو لم يقبلوا لم يطعن أحدهم في صدق وأمانة الشاهد، واعتبروا أن النيل من شأنه والطعن في صدقه يرد عليهم شماتة وذلا.

عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الشهادة على الجبال والوديان، وملأ ما بين السماء والأرض ابتداء بأشهد أن لا إله إلا الله، وانتزع من عقول الناس وأذهانهم الشكوك والشبهات والظنون الفاسدة. ياله من شاهد جاء بشهادة عظيمة، ونطق بها، فنطق بها الناس معه، من عجم وعرب، في شرق وفي غرب. ولم يقف الشاهد عند هذا الحد بل استمر في تبليغها حتى جعل الألوف المؤلفة من الناس يشعرون بواجبهم الذي أوجبه الله عليهم بقوله: {وتكونوا شهداء على الناس} وجعل الأسود والأحمر، والعبيد والملوك يلتزمون بقول الله: {كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} وارتحل من هذه الدنيا وقد شهد بصدقه آلاف من شهداء الغيب، واستنارت بنور شهادته البلاد والشعوب والجزر والوديان على السواء. وقال لهم جميعا وهو في آخر عهده بالدنيا:

<<  <   >  >>