" أنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا: بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس:" اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد".
إن النفوس تتهالك على مثل هذا الشاهد الذي جاء وحيدا بالشهادة في هذه الدنيا وارتحل منها وحوله جم غفير، وجمع حاشد من الشهداء على الناس. والحقيقة أن الله وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشاهد والشهيد فاطلع الدنيا كلها على ميزة سامية للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
ـ[مبشرا ونذيرا]ـ
والصفة الثانية هي " مبشرا ونذيرا ". تصفحوا القرآن كله ولن تجدوا بين آياته نبيا من الأنبياء وردت في شأنه هاتان الكلمتان. أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد وصف تارة بأنه بشير ونذير وتارة أخرى بأنه مبشر ومنذر. وهاتان الصفتان من أهم صفاته وهما تدلان على علو مرتبته من النبوة لأنهما خاصتان به دون غيره من الأنبياء.
وقد بشر الله المؤمنين {بأن لهم من الله فضلا كبيرا}(سورة الأحزاب: ٤٧).
وقال:{لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}(سورة يونس: ٦٤).
وقال:{فبشر عباد ... الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}(سورة الزمر: ١٧ - ١٨).
هذه كلها بشارات روحية وخلقية حث الله عليها المؤمنين وأعدهم لها.
إن الإنذار معناه التخويف. ولكن التخويف لا يؤدي ما للإنذار من معنى بل قد يغير معناه تماما. فالإنذار هو التحذير من شر يصيب المرء في مستقبله. وكان الأنبياء يحذرون قومهم من العواقب الوخيمة المترتبة على أعمالهم السيئة، وينبهونهم على سوء مصيرهم. إن صفة الإنذار تنشأ عن احتراق الفؤاد والتعاطف وتنمو وتترعرع بالرحمة والتقوى، وتزدهر وتنتشر بحب الجنس البشري. وحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على أنه كملت فيه هذه الصفات كلها، ومن هنا كان من الطبيعي أن ينبه القوم الضالين على ضلالهم ويحذرهم