الكثيفة عن قلب المرء الغافل ويبعث في القلب الميت الحياة من جديد.
ز - وسيروا في طريق الهجرة، رحلة تبلغ مئات الأميال ... ناقتان تسيران في الجبال الوعرة والمفازة القاحلة الجرداء من غير توقف، ومع النبي - صلى الله عليه وسلم - مخلصان ووفى، وهم في خوف كل حين من أن يدركهم العدو وهذا الخوف يدفعهم إلى الأمام بخطى حثيثة. ومع هذا كله لم ينس الرسول - صلى الله عليه وسلم - فريضة الدعوة إلى الله فأم معبد الخزاعية وسراقة بن مالك المدلجي وبريدة بن الحصيب الأسلمي وأصحابه السبعون وغيرهم ممن شربوا ماء الحياة وسط هذه الصحراء القاحلة الجدبة ووجدوا فيها معين الحياة.
ح - وصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء بعد معاناة ثمانية أيام بلياليها، وأتعبت هذه الرحلة الشاقة حتى الراحلة البكماء القوية، ولكن رغبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله واهتمامه بها جعله في اليوم التالي، ينشغل ببناء المسجد الذي يعلو منه كل صباح ومساء نداء "حي على الصلاة " و"حي على الفلاح " يجوب الجبال يوقظ النائمين، ويدعو للصلاة من ملأ الشوق قلوبهم، ولا يزال المسجد يجدد نداء الداعي حتى اليوم.
ط - يتوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - من قباء إلى المدينة المنورة وأهلها من الرجال والنساء والشيوخ والشباب واليهود والنصارى والصابئون كبيرهم وصغيرهم جميعهم مشتاقون إلى لقائه اشتياق المؤمنين وبينا هو يسير إذ تدركه الصلاة في الطريق فيتوقف للدعوة إلى الله ويصبغ قلوب بني سليم السمحة بصبغة التقوى ويبشرهم برضوان الله عليهم.
ي - وقام بنو أشهل وبنو غفار والأوس والخزرج جميعا، ففرشوا عيونهم وقلوبهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة يقولون له: بأبي وأمي بأبي وأمي إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - يتوجه إلى عبد الله بن أبي بن سلول بهدف الدعوة إلى الله، ويجلس عنده على الأرض، وهو يشمخ بأنفه، ويغطي وجهه معرضا عنه ويقول: يا محمد! قد آذيتني بغبارك وآذتني ناقتك برائحتها، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبتسم ويتلو عليه القرآن ويبلغه الدعوة.
ك - ويدخل ذات ليلة على الربيع بنت معوذ وكانت حديثة عهد بالزواج فيجد عندها بنات صغيرات من بنات الأنصار يغنين أشعارا حماسية بفخر وعنجهية فيلقنهن العقيدة السليمة.
ل - ويقدم على ابنته فيجد ابنتها تكيد بنفسها فيأخذها في حجره ويستمر في الدعوة إلى الله وكذلك يجلس أمام نعش ابنه إبراهيم ويعلم الناس معنى سخط الله ورضاه ويضرب لهم مثلا في الاستقامة.