٣ - ومنها أن المراد بالكوثر كثرة الأمة، وهذه الكثرة تفوق الحد والعد وتنمو يوما بعد يوم. تقول الإحصائيات أن عدد المسلمين بالهند في عام ١٨٨١ م كان نحو أربعين مليونا، وفي عام ١٩٢١ م بلغ عددهم نحو سبعين مليونا، أي ضعف ما كانوا عليه قبل أربعين سنة، وهذا في الهند وحدها، ومن المؤكد أن عددهم قد ازداد في الأقطار الأخرى بمثل هذه النسبة.
وفي مقابل ذلك نرى انتقاص العدد في أكثر الأمم، وأنها تمضي إلى بحر الفناء، فالإسلام هو الذي تمتد جذور شجرته الزكية إلى منابع الأرض وهو الذي تغشى غصونه الثمرة جو السماء.
٤ - ومنها أن المراد بالكوثر القرآن الكريم، الكتاب المجيد، وهذا هو الخير الكثير الذي عجزت عن مدحه وثنائه أقلام غصون الأشجار ومداد قطرات البحار، ولو اجتمع عمر نوح وفهم جبرئيل لما أمكن حصر الأسرار القرآنية، إن هذا الكتاب قلزم الحقائق، وكوثر العلوم، ومطلع الأنوار، ومخزن الأسرار.
كانت معجزات الأنبياء عليهم السلام تظهر في وقت خاص كما أن هذه المعجزة ظهرت في عهدهم المبارك فقط، فتحولت عصا موسى إلى ثعبان ثم عادت إلى سيرتها الأولى، مشهد شوهد في بلاط فرعون بعد جبل الطور، وتلك العصا صارت آلة انفجار الماء لبني إسرائيل، ولما انتهت الحاجة عادت العصا إلى حالتها الأولى، مجرد ((خشبة)) في يد الآخرين.
ولكن القرآن معجزة سيدنا محمد (ص)، معجزة حية، معجزة خالدة أبدية، فإعجازه موجود ومشهود في كل وقت وآن، وبإمكان كل عالم أن يقدم البرهان على إعجازه في جميع الأحيان، فلا شك أنه الخير الكثير الذي كان لابد أن يتم إعلانه من الرب الرحمن.
٥ - المراد بالكوثر هو الفضائل الكثيرة والمحامد الجميلة والصفات الكثيرة التي اندرجت تحت الوجود النبوي.
ووجود النبي (ص) الكريم قد تجمع في ذاته ألوانا من الصفات الحميدة التي توفرت في ذوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مثل: إنابة آدم، واستقامة نوح، وحلم إسماعيل، وعلم الخليل، ودرس إدريس، وتنفيث شيث، وحقيقة إسحاق، وتبصر