وقد تبين لي بعد النظر في عديد من أقوال العلماء أن هناك مجالا لمزيد من التوضيح والتعليل.
فالأمر الأول أن المراد بقوله {فتحا مبينا} هو فتح مكة خطأ ففد أخرج الشيخان والترمذي عن أنس أن قوله تعالى {إنا فتحنا لك} نزل عقب صلح الحديبية، فإن صحابة الرسول (ص) قد أحزنهم أن قريشا منعوا النبي (ص) وأصحابه من التقدم بعد الحديبية، فلم يتيسر لهم طواف الكعبة، ولم يبلغ الهدى محله، بل إنهم نحروا الهدي في ذلك المكان وأحلوا.
وهنا انتاب المسلمين شعور الفشل، ولم يقدر كثير منهم الأهمية القانونية والأخلاقية للعهد الذي أبرم بين الفريقين في هذا المكان، فأظهر الله تعالى في القرآن الكريم هذه الأهمية، وأوضح الفوائد والبركات المترتبة على عقد هذا الصلح.
فقد أخرج البخاري في باب عمرة الحديبية عن البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية.
وقد اتضح بهذه الرواية أن الفتح المبين هو صلح الحديبية وبيعة الرضوان، وهنا نسوق فقرات معاهدة الحديبية بعد الجمع بين الروايات العديدة: ((هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو:
١ - على أن يخلى بيننا وبين البيت فنطوف به من العام المقبل.
٢ - ولا يدخل مكة بالسلاح إلا السيف في القراب، يخلون له مكة ثلاثة أيام.
٣ - ولا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها.
٤ - وعلى أن من جاء قريشا من المسلمين لم يردوه إلى المسلمين.
٥ - ومن جاء المسلمين من قريش يردوه إلى قريش.
٦ - وعلى أن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن دخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
٧ - وعلى أن الحرب توضع بينهم عشر سنين.
٨ - وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة في صدور سليمة.