للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنهم لو لم يجدوا الأمل لتخلوا عن محمد (ص) كما أشارت الآية الكريمة: {لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى يفضوا} (١) وكان عروة بن مسعود وجه نفس التهمة إلى المسلمين حينما جاء إلى النبي سفيرا لقريش، فقال: إنهم مخلوك. فكان رد أبو بكر عليه ردا مفحما مخزيا.

وعلى ما قلنا يكون معنى الآية أن أول ثمرة طيبة للفتح المبين بالحديبية أن التهم السابقة واللاحقة كلها تذهب وتنتهي بالتقاء المسلمين والكفار فيما بينهم، كأنها دفنت في التراب، وهذا هو المعنى اللغوي لكلمة ((غفر)) ويتجلى صدق الرسول (ص) وينفتح البصر وتضيئ البصيرة، والكفار أنفسهم يعترفون نادمين بتفاهتهم وسفاهتهم. والتاريخ يشهد على أن هذه النتائج قد تحققت في فترة وجيزة بالصلح.

والبشارة الثانية في قوله تعالى: {ويتم نعمته عليك} (٢) أي الثمرة الثانية لصلح الحديبية إتمام النعمة. وهذه الآية التي نزلت سنة ست من الهجرة، تضمنت الوعد بإتمام النعمة. والآية الكريمة {اليوم أكملت لكم دينكم} (٣) نزلت في التاسع من ذي الحجة عام ١٠ هجرية، أخبرت بإيفاء ذلك الوعد. ويدخل في إتمام النعمة إتمام نشر الدين وكمال تبليغه وظهور ثمار هذا التبليغ. والتاريخ يشهد أن دعوة الدين التي توقفت في قريش وحلفائهم، قد عادت إلى مجراها، وبدأ الناس يفهمون الإسلام بزوال الموانع، ثم يدخلون فيه أفواجا.

والبشارة الثالثة في قوله تعالى: {ويهديك صراطا مستقيما} (٤) وهي الثمرة الثالثة للصلح. فقد كان أعداء الإسلام يصدون الناس عن هذا الصراط، ويحرمونهم الهداية الربانية، وبالصلح زال هذا الصد وتبين الصراط، فسنحت للنبي (ص) فرصة دعوة الناس إلى طريق الحق، والوصول بهم إلى الغاية السامية.

والبشارة الرابعة قوله تعالى: {وينصرك الله نصرا عزيزا} (٥) وهي النتيجة الرابعة الميمونة للصلح. أي تتحقق النصرة الإلهية بالقوة الكاملة والغلبة الواضحة، وتنشأ


(١) سورة المنافقون: ٧.
(٢) سورة الفتح: ٢.
(٣) سورة المائدة: ٣.
(٤) سورة الفتح: ٢.
(٥) سورة الفتح: ٣.

<<  <   >  >>