للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجاذبية في القلوب، والذوق في الأرواح، وتقبل ألوف مؤلفة من الناس على الحق والصدق، حتى يرى الناس قول الله تعالى: {يدخلون في دين الله أفواجا} (١) واقعا متجسدا.

وقد ذكرت الآية التالية النصرة الإلهية:

{إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} (٢).

نعم من معجزات النصر الإلهي أن يكون النبي (ص) والصديق في الغار، والكفار واقفون على مدخله بحيث لو نظروا إلى موضع أرجلهم لرأوا ما في الغار، ولكن النصر الرباني كان يعمل عمله، فعمى الناس وهم مبصرون. ولم يكن الوصول إلى المدينة بعد الخروج من الغار سهلا، لأن قريشا كانوا أعلنوا عن جائزة لمن يأسر النبي (ص)، وكان عبدة الأصنام يتحرقون شوقا للانتقام، وهكذا كان الطريق إلى مكة محفوفا بالمخاطر والمهالك. إن طريقا طوله حوالي خمسمائة كيلومترا كان فيه مئات من أعداء الدين يصدون ويمنعون، ومع ذلك سار النبي (ص) وأبو بكر سالمين بنصر الله تعالى. وقد خاب وفشل رئيس بتي مدلج من بني كنانة في تعقبهما، وتعقبهما بريدة الأسلمي فأصبح من خدام رسول الله، وقد بشر أهل المدينة بقدوم النبي (ص) أحد اليهود، فيفوز أهل المدينة بالكمال بسبب هذه النعمة الإلهية، ويزداد أتباع الصراط المستقيم يوما بعد يوم، فتعشوا أبصار اليهود من المشهد الذي أخبر عنه حبقوق النبي. (٣)

وبعد ست سنوات أرادت القدرة الربانية والنصرة الإلهية إبراز نتائج صلح الحديبية في جنوب المدينة أي في أم القرى وما حولها.

ويبدو من التفكر في هذه الآيات أن الفتح المبين وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصرة والعزة، كل ذلك يعني في سيرة الرسول الطاهرة دائما إزالة عراقيل الدعوة والقضاء على موانع التبليغ مما ينتج عنه إعلاء كلمة الحق وظهور الصدق وبروز الحقيقة. ولا شك أن هذه الوعود والبشارات تحققت في حياة الرسول (ص) الطيبة من الله تعالى. وعلى هذا فإن الآية الكريمة المزينة للعنوان، مظهر كامل لرفعة شأن النبي (ص)


(١) سورة النصر: ٢.
(٢) سورة التوبة: ٤٠.
(٣) جاء في صحيفة حبقوق (٣: ٣) إن الله جاء من التيمان والقدوس من جبل فاران.

<<  <   >  >>