ومنصبه العظيم، وهي برهان على ما له من خصائص ينفرد بها عن غيره من الأنبياء والرسل.
ولا يعني كلامنا هذا أن هناك ناحية سلبية لكون النبي (ص) مغفور الذنب، كلا ثم كلا، إن هذا الكلام توضيح مزيد لمدح الرسول (ص). فما معنى عصمة الأنبياء إذا لم يكن الرسول (ص) مغفور الذنب، الرسول الذي جعله الله قدوة للعالمين بقوله:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} إني أؤمن بأن الرسول (ص) هو صاحب المقام المحمود، وهو صاحب الوسيلة وشفيع المذنبين، وله وحده الشفاعة الكبرى، وقوله:
((آدم ومن دونه تحت لوائي، ولواء الحمد بيدي)) (١). مرآة لكماله (ص).
فآية العنوان تفيد العصمة الكاملة وتدل على منصب الشفاعة الكبرى للنبي (ص)، وكذلك تفيد إزالة التهم التي ألصقت بالنبي (ص) في حياته المباركة، وأن الشروط التي فرضها العدو الماكر وقت المعاهدة لتحقيق سيادته ولمنع انتشار الإسلام صارت مثل بيت العنكبوت، بل بالعكس دعمت موقف الإسلام واللمين والمسلمين في نشر الدين.
كانت قرش تعتقد أن المسلمين الجدد حينما يصبحون بحكم المعاهدة متهمين أجانب فإن أحدا لن يدخل في الإسلام خوفا من بطش قريش واضطهادهم، كما أن الفرصة ستسنح للمرتدين عن الإسلام للالتجاء إلى قريش والتمتع بالحقوق المدنية دون أن يلحق المسلمون بهم أذى، وهكذا يرتد عشرات من المسلمين عن الإسلام، ولكن خابت هذه الظنون فكان انتشار الإسلام مخيبا لجميع حيلهم، وجعل الله العليم الحكيم نفس هذه المعاهدة فتحا مبينا ونصرا عزيزا.
إن قصار النظر ما كانوا يتصورون أن من خرجا في ظلام الليل من بيتهما واختفيا في الغار هما الشمس والقمر في سماء روحانية العالم كله. ولاشك أن ظلمة الشرك والجهل تبددت بروحانية النبي (ص)، ووصل نور التوحيد إلى كل بيت، وبطل ادعاء النبوة الكاذبة للأسود العنسي ومسيلمة وسجاح بروحانية خليفة الرسول أبي بكر، واستأصلت جذور الضلالة والزيغ.
وهكذا تماما لم يدرك قصار العقل من قريش وقت المعاهدة أن المسلمين الذين كانوا
(١) مسند أحمد ١/ ٢٨١، الترمذي (٣٦١٥)، ابن ماجة (٤٣٠٨).