للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما انتصر قسطنطين صار اليهود حبة بين طبقتي الرحى، لم يكن أحد يعترف ولم يعترف لهم بأي حقوق مدنية في أي بلد.

وكانت حالتهم الدينية سيئة جدا، فقد كذبوا كل نبي من عند الله منذ عهد موسى كليم الله حتى عهد عيسى كلمة الله، ولم يكن بينهم كتاب التوراة، فاعتمدوا في معرفة الحلال والحرام والرضا والسخط على أخبار الأحبار وبيانهم، وقد اجترأ هؤلاء على أكل السحت والميتة وأخذ الربا فبيعت الفتاوى الشرعية، وكانت تفصل في قضايا الثرى والفقير حسب الرشوة.

وقد أكثر الله تعالى من إرسال الرسل والأنبياء إلى هذه الأمة، ولكن اليهود لم يكرموهم ولم يعززوهم، بل لم يتحرجوا من قتلهم أحيانا، وقضت الأوهام على روح الديانة اليهودية، وجعل الزهد المصطنع الشريعة لعنة عليهم، قد وصفهم المسيح عليه السلام بالحية وأولادها.

وصمم سيدنا محمد (ص) وضع الإصر والأغلال عن هذه الأمة المخذولة، وأراد أن يمنحهم منزلة كريمة وسط الأمم الأخرى في العالم، وبهذه النية الميمونة عقد النبي (ص) معاهدة عالمية بعد وصوله المدينة، وأكرم بها اليهود بمساواتهم في الحقوق المدنية بالمسلمين.

وكذلك اعتنى بإصلاح حالتهم الدينية، فنجاهم من الفتاوى المصطنعة للأحبار، وعرفهم بالشريعة، وحكم في قضاياهم وفق الأحكام المبينة في التوراة. وكانت هذه الخطوات كلها لإنقاذ هذه الأمة من الإصر والأغلال.

وكانت شريعة موسى أيضا تتضمن أحكاما صارمة، مثل الانتحار من أجل التوبة وتحريم الدية وتحريم الغنيمة وترك العمل يوم السبت وعدم جواز الصلاة خارج البيع وغير ذلك. والتسهيل في هذه الأحكام وتوسيعها كان أيضا من وضع الإصر والأغلال.

٣ - النصارى: اختار المسيح لنفسه اثنى عشر حواريا، حتى يشهدوا لتعليم المسيح أمام أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر، ومع وجود المعلم الكامل مثل المسيح سيطر عليهم النقص، حتى اضطر المسيح مرات لأن يقول لهم: لو كان فيهم حبة خردل من الإيمان لفعلوا كذا وكذا. وكان المسيح يلومهم لأنهم لم يستطيعوا أن يسهروا معه ساعة للاستغفار والدعاء.

<<  <   >  >>