للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الليلة ساهرا يتقلب في فراشه، فقال له أصحابه: ما لك لاتنام يا رسول الله؟ فقال:

((سمعت أنين عمي العباس في وثاقه، وهو يقلقني)) فقام رجل من الأنصار فأطلق وثاق العباس فارتاح ونام، فلما جاء الأنصاري إلى الرسول (ص) سأله ((ما بال العباس لا أسمع أنينه؟)) قال الأنصاري: قد أطلقت وثاقه، فقال (ص) ((اذهب وأطلق وثاق جميع الأسرى)) فأطلق وثاقهم جميعا وأخبر بذلك النبي (ص) فبات مستريح البال (١).

وينبغي أن نقف هنا وقفة المتأمل، فإن هؤلاء الأسرى هم الذين آذوا المسلمين نحو ثلاث عشرة سنة متتالية، فألقوا بعضهم على النار، وأدموا بعضهم، ووضعوا الحجر الثقيل على صدر البعض الآخر، وقتلوا البعض بعد إيذائهم أذى بالغا، ومع ذلك كله وجدوا من النبي (ص) هذا اللطف واللين.

إن العباس عم النبي (ص) كان قد اشترك في الحرب مكرها، كما تقول الروايات الموثوق بها (٢)، ولكن العدالة النبوية لم ترض بأن تفرق بينه وبين الأسرى الآخرين، وقد بلغت الرحمة والرأفة بالنبي (ص) مبلغا حنى أنه (ص) لم يرتح ولم ينم إلا بعد ما بلغه أن جميع الأسرى قد ارتاحوا، وهكذا صدق عليه (ص) قول الله تعالى {عزيز عليه ما عنتم} وخاصة في حق الأعداء المتعطشين لدمائه ودماء المسلمين.

٢ - ولما وصل النبي (ص) مهاجرا إلى المدينة، حقق الله تعالى قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} (الأنفال: ٣٣). في المشركين بمكة، فقد أصابتهم مجاعة شديدة أضعفت أبصارهم.

فحضر أبو سفيان، عدو المسلمين المتحمس، إلى النبي (ص) وقال له: إنك تأمر بالإحسان وصلة الرحم، ونحن أقرباؤك نلتمس منك الرحم، فأحسن إلينا وادع لنا حتى ننجو من هذه المجاعة (٣).

فأمر النبي (ص) ثمامة بن أثال من أمراء نجد بإرسال الطعام إلى مكة فورا، وكان الطعام كثيرا في تلك المنطقة (نجد) وكان ثمامة قد قطع الميرة عن أهل مكة لعدائهم للنبي (ص)، فلما بلغه أمر النبي (ص) أطاعه وعادت الحياة إلى أهل مكة (٤).


(١) الطبري (٢/ ٢٨٨)، البداية (٣/ ٢٩٩)، ابن سعد (٤/ ١٣).
(٢) ابن سعد (٤/ ١٠)، الطبري (٢/ ٢٨٧).
(٣) البخاري (١٠٠٧).
(٤) البخاري (٤٣٧٢)، ابن سعد (٥/ ٥٥٠).

<<  <   >  >>