من الكتمان إلى الظهور، وتجعل الجاهل عالما والغائب شاهدا.
إنه شاهد، لأنه أعلن شهادة أن لا إله إلا الله أمام العالم كله، وأثبت بشهادته استحقاق الرب تعالى للألوهية والعبودية. إن كثيرا من الأديان والمذاهب ضلت واضطربت في أمر العبادة والاستعانة بغير الله، ولكن النبي (ص) أوضح الحقائق الخفية في هذا الباب.
إنه (ص) أعلن شهادة أن محمدا رسول الله. واتضحت بذلك خصائص النبوة والرسالة وحقيقة الوحي وتم بشهادة النبي (ص) بيان علاقة الأعمال بالروح وترتب الجزاء عليها لزوم الشريعة واستقرار الشرائع والنواميس الإلهية، فالله أكبر، ما أكبر الشهادة التي قام بها الشاهد وما أصدقها. إنه جاء إلى محكمة العالم بشهادته وحيدا، وأقام على شهادته هذه ألوفا من الناس قبل ارتحاله، بل جعلهم شهداء على من يأتي بعدهم، وأكرمهم بسند {وتكونوا شهداء على الناس} (الحج: ٧٨).
٢٨ - إنه صاحب، وقد ذكر المسيح علامة النبي (ص) بأنه يصحبكم. وبهذا يثبت خلود نبوة النبي (ص)، فإنها تستمر مع البشرية إلى بقائها. وكان كفار مكة أيضا يصفون النبي (ص) بأنه صاحب قريش، ومهما كانت نيتهم في استخدامهم لهذا اللفظ إلا أن الله تعالى استعمله في معنى طيب فقال: {وما صاحبكم بمجنون} (التكوير: ٢٢).
وقد وجد في الأنبياء عليهم السلام من كره أفعال قومه القبيحة واعتزلهم وتنحى عنهم. ولكن الله تعالى مدح النبي (ص) على صبره واستقامته وبين أنه (ص) لا ييأس من إصلاح العصاة ولا يطردهم ولا يحب اعتزالهم، بل إنه صابر، وصبره يتوقف على نصر الله ومعيته. وكذلك أخبر الله تعالى أنكم تقولون له اليوم صاحبكم، وغدا تكون صحبته شرفا وكرامة.
٢٩ - إنه صادع، والصدع هو البيان الواضح الجلي للأمر الإلهي دون مبالاة أحد، ودون إقامة وزن لضغط وتهديد، ودون خوف من مكائد الأعداء وحيلهم.
إنه صادع، لأنه قال بصراحة للعرب الوثنيين والبدائيين السفاكين:
{إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} (الأنبياء: ٩٨).
إنه صادع، لأنه أوضح لأمة مثل اليهود المسيطرين على تجارة العرب والمالكين