يركن إلى أساليبهم المعقدة وألفاظهم المغلقة ومذاهبهم الجدلية، بل اختار (ص) أدلة الآفاق والأنفس، وعرض أمام الإنسان فطرته حتى يحتكم إليها، وجعل بيئته دليلا يهتدى به.
وكان الله تعالى قد كشف لنبيه (ص) قوانين الفطرة التي فطر الناس عليها، ولذا كانت أدلته (ص) تخاطب الطبيعة البشرية وتوقظها وتوجهها.
ثم كان أسوة كاملة للجنس البشري، فكانت أفعاله تصدق أقواله، وهذا التوافق بين الظاهر والباطن والأفعال والأقوال قد جعل النبي (ص) هاديا صادقا للبشرية. وقد ورد في قصيدة ضرار بن الخطاب الفهري التي أنشدها أمام النبي (ص) يوم فتح مكة:
يا نبي الهدى إليك لحاجي ... قريش ولدت حين بحاء
وقال النابغة الجعدي:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
٥٣ - إنه ياسن وسيد، سيد الناس وسيد البشر، وقد ثبت صدقه وأمانته للجميع، سواء أقروا بذلك أم لا. وقد أرسل في القرون الماضية ثلاثة أنبياء إلى بعض الأمم، واحد بعد الآخر، ونجحوا في إدخال نسمة طيبة واحدة فقط في الجنة. ولكن هذا السيد وحده نجح في إخراج المئات والألوف من الظلمات إلى النور. إنه لم يخرج من الجزيرة العربية قط، ولكن دعوته سيطرت على جميع قارات العالم. فهو نور للعمى، وضياء للمبصرين، ومزيل لحجب القلوب، وموصل نداء الحق إلى الآذان الصماء، وقاض على التنافر بين بني إسرائيل وبني إسماعيل، ومؤلف بين العرب والعجم، وسيد الأحرار ومولى العبيد.
إن دولة بني أمية وبني العباس والفاطميين والأخشيديين والمغول والأتراك والأفارقة والمغاربة والجزائريين والحجازيين لم تكن الواحدة منها ترى لنفسها مثيلا، وتنكر كل منها أبهة الأخرى وعظمتها، ولكنها جميعا كانت تعتز باتباع النبي (ص)، وترى أن موضع شبر عند عتبته (ص) خير من عرش الملك، فالحق أنه (ص) سيد وسيد الكون.
٥٤ - إنه خاتم النبيين، فقد ورد في القرآن:
{ولكن رسول الله وخاتم النبيين}(الأحزاب: ٤٠).
إن هذه الآية تحتوي على قوة كهربائية عظيمة، ولها سيطرة بديعة على الطبائع