ثم جاء وصفه بقوله ((كان حيا)). وهكذا يمكن للقارئ أن يقدر عمومية الآية وسعتها.
فكل من دخل في ذوي العقول واتصف بكونه حيا، كفل له القرآن التذكير والتقريب إلى الله وإنذاره من عواقب الأمور، فهل نجد هذه الدعوى لدى كتاب آخر؟ إن المسيح جعل بشارته وإنجيله مثل الخبز، وجعل بني إسرائيل أولاده، والأمم الأخرى كلابا، يقول متى: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب (١).
٢ - شمولية تعاليم القرآن الكريم: إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وصحف الأنبياء الآخرين الواردة في الكتاب المقدس، ورأيت بعض تراجم كتاب القيد وعرفت تاريخ ترتيبه وتأليفه، واستخرجت من الكتب المختلفة مبادئ كونفوشيوس مصلح الصين والبوذية التي أسسها بوذا وأصولها، وعرفت أحكام زرادشت وجاماسب، فوجدت أنها جميعها لها شكل واحد ولون واحد.
وتوخيا للسهولة انظروا إلى الكتاب المقدس فقط، تجدوا في التوراة مجرد الأخبار والأحكام، وفي الزبور مجموعة المناجاة وفي الإنجيل الأمثال والمواعظ.
والآن انظروا إلى القرآن الكريم، لقد تضمن المواعظ والأحكام والأخبار والأمثال والإنذار والبشارة، وفيه بيان الصفات الإلهية وإثبات الذات الربانية وطريقة الوصول إلى التقرب والتوحيد والتوكل والتفويض وتفصيل أيام الله وذكر الحياة والمماة ووجود العالم والفطرة البشرية وأسرار القدرة الإلهية ونتائج السطوة الربانية وبدائع النصرة الإلهية بأسلوب فريد يعمل على تطهير النفس البشرية من الرذائل وإنقاذها من آثار الحياة المادية، وخضوع الإنسان للخالق، وتحصيل نور اليقين، والتجرد من العلائق الدنيوية، والتشبه بالصفات الملكية. وهو أسلوب يعلو ولا يعلى عليه.
٣ - يختص القرآن الكريم بين الكتب السماوية بأن نهري العلوم الأخروية والعلوم العقلية يزخران فيه جنبا إلى جنب، ومع أن معانيه العالية وردت بأسلوب بديع إلا أن الأدنى والأعلى معا يستطيعان التمتع بها.
لقد كانت آية واحدة من القرآن هي التي حيرت الفيلسوف اليهودي إسحاق بن حنين، وهي نفسها التي ملأت جيب قلب الوحشي الافريقي بالدر المطلوب، والآية التي