ومع استعداد الأعداء المذكور يصرح القرآن الكريم بأن أرض الميعاد ستكون للمؤمنين، وفعلا تحقق ما ورد ذكره، وتحقق تشبيه قوله ((كما استخلف)).
ويمكن أن يراد بالأرض عامة البلاد، فإن العراق وفلسطين والشام وآسيا الصغرى ومصر وإيران والبحرين وخراسان والمغرب وتونس والسودان وغيرها من البلاد التي كانت انضمت إلى الأعداء المهاجمين قد دخلت كلها في حوزة الخلفاء.
الثاني: أن الآية لو اقتصرت على الفتوح المكية لقال قائل: إن الخلافة الموعودة كانت تتضمن البركات الدنيوية فقط، ولكن التعمق في قراءة الآية يوضح أن الآية تتضمن كذلك وعد التمكين للدين وعزته وشوكته.
ويمكن أن يقول قائل: إن التعبير بالدين قد جاء عن غير الإسلام أيضا، كما في قوله تعالى:{لكم دينكم ولي دين}(الكافرون: ٦)، ودفعا لهذا القول زاد الله تعالى قوله {الذي ارتضى لهم}، وقوله تعالى {ورضيت لكم الإسلام دينا}(المائدة: ٣) - في آية الإكمال يفسر ما أجملته الآية المذكورة {الذي ارتضى لهم}، ثم تأتي آية أخرى عن الإسلام فتقول:{إن الدين عند الله الإسلام}(آل عمران: ١٩).
وهذه الآيات البيات توضح بقوة أن دين الخلفاء هو الدين المرضي المختار عند الله تعالى.
الثالث: قوله تعالى: {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}.
وهذا المقطع من الآية يخبر عن الأمن الشامل والراحة التامة والرخاء الكامل الذي تحقق في عصر الخلفاء الراشدين. وكذلك تحقق فيه التنبؤ الذي ذكره النبي (ص) لعدي بن حاتم من أن امرأة من صنعاء تحج البيت وحدها ولا تخاف إلا الله.
فهذه الكلمات الطاهرة من الآية تدل على النظام الداخلي والخارجي، كما أن الكلمات السابقة تبين فتح البلاد وتملك الأرض ويتعذر اجتماع الوصفين في عصر فاتح من فاتحي العالم.
فقد خرج الاسكندر من مقدونية ودمر إيران وأخضع مصر وقضى على بابل ووصل إلى آسيا الصغرى، وخرج تيمور من تاتارستان وسيطر على التركستان واحتل عرش كابل