وحكم على الهند وخرب بغداد وأمر السلطان بايزيد يلدرم في أنقره، وأخضع روسيا ثم عاد إلى تاتارستان. إن الصين كانت تخافه وتقدم له دولتا منغوليا وكوريا الخراج، ولكن نظام بلادهما لم يكن شيئا يذكر. وتنبؤ القرآن يصرح بأن الخلافة تكون جامعة للوصفين العاليين، وتضرب مثالا للحكم تعجز عن تقليده ديمقراطية فرنسا وأمريكا.
الرابع: قوله ((يعبدونني)) شهادة وتصديق لإخلاص الخلفاء في الطلب وصدقهم في الإرادة وثباتهم في العلم والعمل، فإن إخبار الله عن قبوله لعبد منتهى العزة والفخر، وكان القرآن قد خصه بالأنبياء، والآية قد أشركت فيه الخلفاء الراشدين أيضا.
الخامس: قوله: ((لا يشركون بي)) هذا المقطع من الآية يكمل ما سبقه. والصفات العالية تقسم بين الإثبات والسلب، ففي قوله تعالى: {قل هو الله أحد (*) الله الصمد} صفة موجبة، وفي قوله {لم يلد ولم يولد (*) ولم يكن له} صفة منفية وهكذا الآية الكريمة نفت الشرك فاتضح جيدا كمال التوحيد ورسوخ العقيدة وسلامة الإيمان ودوام العمل.
السادس: من قوله ((شيئا)) يعني نفي الشرك الخفي مع الشرك الجلي، وانتهت بهذا شائبة الرياء والسمعة وظهر نور الصدق والصفاء كاملا.
السابع: وأخبر بعد هذه العلامات أن إنكار بركات الخلفاء أو الشك في التنبؤ المذكور يؤدي إلى عاقبة أسوأ ويستوجب لعنة الله على المنكر المتشكك.
فليتدبر القراء أن الخلافة التي أخبر عنها والنصر والسلام والتدين والصدق الذي تم التنبؤ عنه قد تحقق كله في الخلافة الراشدة بالتمام والكمال، ولم يشهد بذلك تاريخ المسلمين فقط، بل شهدت به كتابات الأعداء الأخرى غير المسلمة وتاريخ البلاد أيضا. وعلينا أن نعيد النظر إلى الآية حتى نعرف هل تنبئ عن عدو الخفاء أم لا؟
وأقول: نعم إنها تنبئ عن ذلك، وذلك أن الله تعالى استعمل صيغة الجمع في قوله ((ليستخلفنهم وارتضى لهم)) وأقل الجمع في العربية ثلاثة، وهو يدل على أكثر من ذلك. ولكن إذا كان العدد أقل من ثلاثة فتستخدم صيغة التثنية لا الجمع، ولذا صح ما ذهب إليه المسلمون من أن الخلفاء الراشدين أربعة؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أو خمسة بإضافة الحسن. ومن بلاغة القرآن أن علامة ((آمنوا وعملوا الصالحات)) منطبقة تماما على الأربعة أو الخمسة وقت نزول الآية.