وكذلك يتعلق باليهود الذين رأوا في الإنجيل أنه يصدق توراة موسى ومع ذلك
ينكرون الإنجيل.
وعلى كل ردد الفريقان (وفد نجران من النصارى وعلماء يثرب من اليهود) القول المذكور وشهدوا على أنفسهم بالتسرع والجهل فحكم الله تعالى عليهم بقوله:
{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (*) قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين} (المائدة: ٦٧ - ٦٨).
كان عدد اليهود والنصارى في ذلك الوقت أكثر من المسلمين بكثير، فقد كان المسلمون يشكلون نسبة ٢% بينهم، وكان اليهود أصحاب مال وتجارة، وكانت لهم سيطرة على الجزيرة العربية كلها، وكان المسلمون والوثنيون مدينين لهم. وكان النصارى أصحاب جيش وقوة وحكم.
ولم يكن إصدار حكم حاسم يقضي على المكانة الدينية للفريقين أمرا سهلا، ومن هنا حثت الآيات الكريمة في بدايتها النبي (ص)، وأخبرت أن اليهود والنصارى لن يضروك شيئا بعد الحكم المذكور مهما سخطوا وتضجروا، فالله تعالى يعصمك منهم.
والحكم هو أن يتخلى اليهود عن تعصبهم ضد النصارى، ويتخلى النصارى عن حقدهم وحسدهم ضد اليهود، وليتبع الاثنان التوراة والإنجيل.
والدليل الذي عند النصارى على دعوة اليهود إلى دين المسيح تتوقف صحته على أن النصارى يصدقون بنبيهم موسى عليه السلام وكتابهم التوراة، ونفس هذا الدليل بيد المسلمين بإزاء اليهود والنصارى جميعا، فإن المسلمين يؤمنون بالكتابين ومن جاءا بهما.
إن النصارى يستخرجون لليهود التنبؤات عن المسيح من التوراة، ويخطئونهم.
وهكذا يستخرج المسلمون تنبؤات الكتاب المقدس عن النبي (ص) لليهود والنصارى معا، ويقيمون عليهم الحجة.
وجاءت الخلاصة بأن اليهود صاروا مغضوبا عليهم لرفضهم تعليم المسيح، في حين أن المسيح آمن بالتوراة، وصار النصارى ضالين لجحودهم شريعة موسى التي صدق بها