لإخواني القراء، كتاب "عيون المسائل" للقاضي عبد الوهّاب البغدادي، الّذي اختصر فيه كتاب "عيون الأدلّة" لشيخه القاضي أبي الحسن بن القصّار، وهو كتاب نفيس، من أقدم ما وصلنا في فنّه، وهو شاهد على اتّساع الباع وسعة البال.
وقد كان الرّجاء متّجهًا إلى خدمة كتاب الأصل "عيون الأدلة"، لكن حال دون ذلك تعذّر إيجاد هذا السَّفر الضخم كاملًا، إذ لم تورد الفهارس إِلَّا أجزاء يسيرة منه، أفاد منها الأستاذ محمَّد الحسين السليماني (الجزائري) في إخراج المقدِّمة الأصولية، وكذا الدكتور عبد الرّحمن الأطرم في تحقيقه للجزء الثّاني منه (كتاب الصّلاة)، وأخيرًا الدّكتور عبد الحميد السعودي في الجزء الأوّل منه (كتاب، الطّهارة).
وإذا كان قد تعذّر عليّ تحصيل الأصل، فلم يفتني إدراك المختصر، مع ضرورة التّنبّه إلى أن غرض الكتابين مختلف؛ فقد بيّن ذلك كلّ واحد منهما، فالأصل في فقه الخلاف العالي (المقارن)، وأمّا المختصر ففي معرفة الخلاف العالي.
* ويكمن الفرق بينهما في أنّ الأوّل يخوض في أسباب الاختلاف، وأدلة المسائل وطرق الاحتجاج بها ومناقشتها، والتّرجيح فيما بينها. ومن ثمّ فهو خير معين على معرفة طرق الاستدلال وما يردّ عليه، ممّا يسهم في تكوين الملكة الفقهية. ومن أوائل من ألّف في هذا الفن تأليفًا مستقلًا:
١ - القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي (٢٨٢ هـ) له: كتاب الرَّدِّ على محمَّد بن الحسن الشيباني في مائتي جزء - ولم يكتمل -، والرد على أبي حنيفة، والرد على الشّافعيّ. وهي لا تزال في عالم المخطوطات.
٢ - القاضي محمَّد بن بكير البغدادي المالكي (٣٠٥ هـ) له: كتاب في مسائل الخلاف. خ.
٣ - الإمام محمَّد بن جرير الطّبريّ (٣١٠ هـ) له: اختلاف الفقهاء. والمطبوع منه: قطعة (في الجهاد والجزية)، وقطعة (متعلّقة بالبيوع).