للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الطعن في الدلالة، فقد اعتقدوا أن دلالة النصوص الشرعية ظنية حتى يردوا منهما بالتأويل أو التفويض ما عارض منهما مسلماتهم العقلية؛ إذ لا سبيل لهم إلى الطعن في ثبوتهما قطعًا، وكان حجتهم في ذلك ما اعتمدوه أساسًا في تقرير العقائد من القطع بدلالة العقل وتقديمه على دلالة النقل، وإمعانًا في إعمال هذا الأصل المبتدع؛ فقد طعنوا حتى في مسالك البعض منهم حين انتهجوا مسلك الاستدلال بالشرع في تقرير بعض ما قد أقروا بوجوبه بطريق العقل من المسائل العقدية كوجوب النظر مثلًا، يقول الإيجى: "أما أصحابنا فلهم في إثبات وجوب النظر المؤدى إلى المعرفة مسلكان: الأول: الاستدلال بالظواهر من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب النظر في المعرفة، نحو قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: ١٠١].

وقوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: ٥٠].

فقد أمر بالنظر في دليل الصانع وصفاته والأمر للوجوب كما هو الظاهر المتبادر منه.

ولما نزل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ١٩٠].

قال عليه الصلاة والسلام: (ويل لمن لاكها أي مضغها بين لحييه أي جانبى فمه ولم يتفكر فيها) (١) فقد أوعد بترك التفكر في دلائل المعرفة فهو واجب، إذ لا وعيد على ترك غير الواجب، وهذا المسلك لا يخرج عن كونه ظنيًا غير قطعى الدلالة، لاحتمال الأمر غير الوجوب، وكون الخبر المنقول من قبيل الآحاد". (٢)

بل قد أدى بهم هذا الزعم إلى الجزم بأن جميع المسائل التي يرجع فيها إلى النقل عندهم - لعدم إمكان الاستدلال عليها بالعقل - دلالتها ظنية، حيث يستقل النقل


(١) أخرجه ابن حبان بنحوه في صحيحه عن عائشة، وفيه: (ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها): كتاب الرقائق - باب التوبة، رقم الحديث: ٦٢٠: (٢/ ٣٨٦).
(٢) المواقف: (١/ ١٤٨).

<<  <   >  >>