للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أما عن نتيجة التزام هذه الآداب، والحرص على الإتيان بمقتضاها؛ فإنه يرى أن الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: ١٦] تفيد "معنى إشارى للصوفية، وهو: أن العباد لو حصلت منهم استقامة على الطريقة، بالانهماك في مرضات الله تعالى، لملأ الله قلوبهم بالأسرار والمعارف والمحبة الشبيهة بالماء، في كونها حياة الأرواح، كما أن الماء حياة الأجسام، فيحصل لهم بسبب ذلك الفتنة فيه بأن يسكروا ويطربوا ويدهشوا، ويخرجوا عن الأهل والأوطان، فالاستقامة سبب للرزق الظاهر والباطني" (١)

[المناقشة]

أولًا: مكانة علم التصوف بين العلوم:

لقد حاول الصاوي التوسط في مكانة التحلي بالآداب الصوفية، حيث أكد على أهمية تعلم العلوم الشرعية قبل الآداب، ولكنه وقع في نوع من التحكم حين جزم بأن من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، وذلك لأن مؤدى هذا طعن في السلف الصالح من الصحابة - رضوان الله عليهم - وكبار الأئمة والعلماء، الذين لم يكن الهم علاقة بالصوفية من قريب أو بعيد.

وإذا كان قد سبق بيان ما جزم به من أن التصوف هو علم أحوال القلوب، وأن واضعه هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا عجب إذا من هذا الذي ذهب إليه هنا، وتبقى مناقشته في حقيقة هذا الادعاء؛ هل التصوف حقًا مما دل عليه الكتاب والسنة، أم لا؟ . وقد تقدم تفصيل هذا في المبحث السابق، ويكفي هنا أن أؤكد على أن وجود الانحراف الخطير في الفكر الصوفي خصوصًا عند المتأخرين منهم، يقطع بتأثره بل واندماجه في كثير من علومه بالفلسفات الخارجة، وبقايا الديانات المنحرفة، ومن كل هذا فلا سبيل أبدا إلى موافقته على تلك المقولة، بل الحق أحق أن يتبع، وما دام أن المولى تبارك وتعالى قد حفظ لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل الخير


(١) حاشية الجلالين: (٤/ ٢٤٢).

<<  <   >  >>