للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المناقشة]

عند سبر أبعاد قضية الإيمان، والأقوال المتعددة فيها، نجد أن الاضطراب الذي حصل في المفهومات، والذي أوقع الخوإرج في قضية تكفير مرتكب الكبيرة كان له أسوء الأثر على الوسط الإسلامى، فإنه لما انعدم الفهم الصحيح للسبب الرئيس الذي حمل الخوارج على تكفير مرتكب الكبيرة، ظن المرجئة أن فهم الخوارج لحقيقة الإيمان خاطئ من حيث إدخالهم العمل في مسمى الإيمان، واعتقدوا أن مخالفتهم في هذا تكفى في رد حجتهم وإبطالها، فراموا إبطال بدعتهم بأخرى لا تقل عنها سوءً وبعدًا عن الحقيقة، ولم يفطنوا إلى أن مكمن الضلال إنما تحصل من التصور السقيم للإيمان؛ حيث اعتقد الخوارج أنه جملة واحدة وأن ذهاب البعض يؤذن بذهاب الكل.

هنا ولهذه الحقيقة التي استرعت انتباه كثير من الباحثين من سلف هذه الأمة، صار محور النقاش من المسألة يدور حول أمرين، لا انفكاك لأحدهما عن الآخر:

١ - حقيقة الإيمان الشرعية التي نطقت بها آيات الكتاب الكريم وسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أنه قول وعمل.

٢ - إن الإيمان شعب، ثم إنه يزيد بزيادة شعبه وينقص بنقصانها، وليست هذه الشعب بمنزلة واحدة، فمنها ما لا يصح الإيمان إلا به، ومنها ما هو فرض أو واجب أو سنة. وزوال ما هو في الرتبة العليا ليس كزوال ما هو دونها.

وأدلة هذين الأصلين في الكتاب والسنة كثيرة تجل عن الحصر، منها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: ٢].

وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣] ..

<<  <   >  >>