وبعد هذا البيان المجمل لمصادر العقيدة عند الصاوي؛ سأبدأ بالنقد الموجه لمسلك التلقى من العقل لتقديمه على النقل في معرفته تعالى بأسمائه وصفاته الحسنى، إذ أساس هذا المسلك هو ما درج على الاحتجاج به المتكلمون، من أن العقل هو الوسيلة الأولى التي يدرك بها صدق الرسول بمعرفة المعجز، وما كان بهذه المرتبة من الحجية فلا يمكن بحال تجاهله وإغفال مكانته، وعليه فإن أي مخالفة لما تقرر بطريقه فإنه يتعين رده بالتأويل أو التفويض.
ومن هنا فليس يقتصر الأمر عند الصاوى ومن تقدمه من المتكلمين، على عد العقل أحد مصادر التلقى الأساسية في العقيدة، بل إن حجية الاستدلال به تقضى بتقديمه على غيره من مسالك الاستدلال، في المسائل التي يحجر الاستدلال به عليها.
وعليه فإن ثمة انحراف ظاهر في المذهب الأشعري؛ نتج عن هذا المعتقد الخطير، يقطع بعدم اعتباره من المسالك الشرعية السنية، ويوجب رد كثير مما تأكد بطريقه؛ لكونه من البدع التي أحدثها المهتدون بغير هدى السلف الصالح، من الصحابة والتابعين، ومن سار على هديهم إلى يوم الدين.
وفى بيان بطلان هذه الشبهة وردها؛ تكفى الإشارة إلى كمال الدين، وأنه كافٍ في الدلالة على أصوله وفروعه، فإن اعتقاد عدم اشتمال الدين على أدلة هذه المسائل العظام، يعد طعنًا في كماله وتمام بيانه، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣].
ويرجع ذلك إلى أن الأصل في تلقى أصول الدين، والاستدلال عليها الكتاب والسنة فبهما تحصل الهداية والكفاية.
وأدلة هذا الباب عظيمة وكثيرة، كلها تؤكد وحدة مصدر التلقى، وأنه العمدة في الأخذ والرد، حيث تبنى الأصول، وتقعد القواعد بناء عليه، ويرد النزاع الحاصل