للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك لأن أصل الاختلاف الواقع في المفاضلة، إنما ينحصر بين الملائكة وصالحى البشر، وإلا فجنس البشر لا يمكن بحال تفضيله على جنس الملائكة؛ لأن البشر قد وقع منهم الكفر والجحود، أما الملائكة فقد عصمهم الله تعالى عن ذلك، واستحقوا بتمام امتثالهم الثناء من الله، قال تعالى عنهم: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦]، وقال: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: ٦] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في بيان فضلهم.

أما جنس البشر فقد وردت الآيات بذمه قال تعالى عن الأمانة: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢]، وقال: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} واستثنى بعد ذلك أهل الطاعة منهم والحقيقة أن هذا مما لم يقل به أحد من أهل العلم، أما عن المفاضلة بين الملائكة وصالحى البشر؛ فالصحيح في المسألة هو التوقف والتزام المأمور به نصًا، فإنه "ليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل؛ فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصًا، وقد قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣].

ولا يقال إن هذه المسألة نظير غيرها من المسائل المستنبطة من الكتاب والسنة؛ لأن الأدلة هنا متكافئة: (١)

* * *

[ثانيًا: عصمة الأنبياء]

لا شك أن الأنبياء قد بلغوا ذروة الكمال البشرى من حيث امتثالهم لأوامر الله تعالى، وإعمالهم للوحى المنزل عليهم، وانهم موصوفون بالعصمة التي تقضى بالتزامهم أوامر الله تعالى والابتعاد عن مناهيه، ولكن هذا لا يمنع من وقوعهم في بعض الصغائر التي تدل على بشريتهم، وليس فيه ما ينقص من كمالهم الواجب لهم، فالعصمة في حقهم تكون ملازمة لهم على جهة الكمال فيما يتعلق بتبليغ


(١) شرح الطحاوية، لابن أبي العز: ٣٠٢، تحقيق الشيخ الألباني.

<<  <   >  >>