للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استقر العبد عليه صار مقامًا، فحين يعرض الكلاباذي لأقوالهم في الفناء يكشف عن هذا الاضطراب، وذلك في مسألة دوام الفناء للعبد، حيث يذهب البعض إلى أن "حالة الفناء لا تكون على الدوام، لأن دوامها يوجب تعطيل الجوارح عن أداء المفروضات وعن حركتها في أمور معيشتها".

بينما يذهب البعض الآخر؛ كالجنيد، والخراز إلى أنه لا يمكن رد الفاني إلى البقاء، وحجتهم "أن مقام الفناء لا يدرك بالاكتساب فيجوز أن يكتسب ضده" (١).

وقد يرى البعض عدم التمييز؛ فيجعلها حالًا واحدة (٢).

ولا عجب؛ إذا علم أن مستند القوم في كل ما ذهبوا إليه هو الذوق والتجربة الشعورية، فكل منهم يعبر ويحكم بحسب ما وقع له، لذا كان من الصعب الوصول إلى حكم يصح طرده في ما آل إليه المقام والحال، وهذا يرجع إلى انعدام الأسس العلمية عندهم. والآن مع عرض أقوال المتصوفة في هذه المقامات:

[الفناء والبقاء]

يقول الجرجاني معرفا الفناء بأنه "سقوط الأوصاف المذمومة، كما أن البقاء: وجود الأوصاف المحمودة، والفناء فناءان، أحدهما ما ذكر، وهو بكثرة الرياضة والثاني؛ عدم الإحساس بعالم الملك والملكوت، وهو بالاستغراق في عظمة الباري ومشاهدة الحق (٣).

ويقول الكلاباذي: "الفناء هو أن يفنى عنه الحظوظ؛ فلا يكون له في شيء من ذلك حظ، ويسقط عنه التمييز فناء عن الأشياء كلها وشغلًا بما فنى به.

والبقاء الذي يعقبه هو أن يفنى عما له ويبقى بما لله".

وهو إذ يعرف الفناء بما يوهم استواء الأمور لدى الفاني حتى يسقط عنه التمييز، فإنه يبين أن من محترزات التعريف: "أن تصير المخالفات له موافقات - بل - ألَّا يجرى عليه إلا ما أمر به وما يرضاه الله تعالى دون ما يكرهه". (٤)


(١) التعرف: ١٢٨.
(٢) انظر: التعرف لمذهب أهل التصوف، الكلاباذي: ١٢٧.
(٣) التعريفات: ٢١٧.
(٤) التعرف: ١٢٥.

<<  <   >  >>