للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المناقشة]

يستند هذا الدليل في مبدأ الاستدلال به عند الفلاسفة إلى التصور المطلق للوجود، والذي ليس له حقيقة خارجة عن الذهن، مما يحكم بعدم كفايته في الاستدلال على وجود الله تعالى، فكل ما يقتضيه: تقسيم الوجود إلى واجب وممكن، أما من حيث التعين فلا يدل عليه، وهذا ما يدحض حجيته في الاستدلال على وجود الله تعالى، ويقرر عدم كفايته في هذا الأصل العظيم.

بيان ذلك: أن الدليل الصحيح الدال على وجود الله تعالى لا بد أن يدل على تعينه متصفًا بما لا يشاركه فيه أحد من صفات الكمال، مع دلالته على إثبات وجوده، وإلا لأدى ذلك الاستدلال إلى نقيض المراد منه، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "حقيقة قول هؤلاء نفى الوجود الواجب المباين للوجود الممكن، ونفى وجود الخالق المباين للمخلوقات، ونفى وجود القديم المباين للمحدثات". (١)

وهذا يرجع إلى أنه استدلال بالكلى، الذي لا وجود له إلا في الأذهان وهو مطلق الوجود على المتعين وهو الوجود الواجب المتحقق في الخارج، وهذا غير ممكن بطريقه؛ لأن دلالة الكلى على المتعين قد تفيد إثباته في العقل، ولكنها تقصر عن المراد الأسمى، وهو تعيينه بصفاته التي يحصل بها التمييز بين الواجب والممكن في الخارج، يقول شيخ الإسلام في بيان عدم جدواه: "فإن هذه الطريقة، وإن كانت صحيحة بلا ريب، لكن نتيجتها إثبات وجود واجب، وهذا لم ينازع فيه أحد من العقلاء المعتبرين، ولا هو من المطالب العالية، ولا فيه إثبات الخالق، ولا إثبات وجود واجب أبدع السموات والأرض". (٢)

- وقد أعرض الفلاسفة عن الاستدلال بالحدوث - مع أنه يستند إلى مبدأ الإدراك الحسى إلى الاستدلال بهذا الدليل - حتى لا يخالفوا اعتقادهم بقدم بعض الموجودات كالأفلاك السماوية، فحصروا دلالة الممكن على الواجب بافتقاره إليه افتقار العلة إلى معلولها دون سبق زمان. (٣)


(١) الصفدية: (٢/ ١٩).
(٢) شرح العقيدة الأصفهانية: ٤٢.
(٣) انظر: الدرء: (٣/ ٣٣٤) بدون إلزامات الأشاعرة في المقدمة التالية, لأنها فطرية، وسيأتي بيانه.

<<  <   >  >>