للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم، قلنا: لزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد، وإن قالوا بقدرة العبد فقط؛ لزم وقوع شيء في الكون قهرًا عن الله سبحانه وتعالى، ولزم أن لا يكون سبحانه وتعالى واحد في الأفعال وهو كفر".

فلم يبق من هذه الأقسام إلا فرض واحد؛ وهو أن تكون الأفعال بقدرة الله تعالى، كما يستدل بجهل الإنسان على عجزه وعدم إمكان نسبة الأفعال إليه، يقول: "لو كان الفعل له لكان عالمًا بحركات نفسه وسكناتها مدى الأيام، فجهله بها دليل عجزه" (١).

* * *

رابعًا: حقيقة القدر في الفكر الصوفي:

يستخدم الصاوي عبارات الصوفية في المفارقة بين الشرع والقدر، وإطلاق مسمى الحقيقة على القدر الحاصل بما فيه من خير وشر؛ ويقع في التجاوزات نتيجة لذلك، فيورد كلام كبار الصوفية في عذر الخلق عند النظر إلى الحقيقة، ولا شك أن فيه مناقضة لتشديده على الجبرية، ونعتهم بالكفر، ولكن هذا مما أوقعه فيه ميله إلى التصوف، يقول: "من نظر للخلق بعين الحقيقة عذرهم، ومن نظر لهم بعين الشريعة مقتهم، فعذرهم بالنظر لخلق الله الضلال والهدى في قلوبهم، فالخالق للضلال والهدى والأفعال جميعها هو الله وحده؛ فمن نظر لذلك لم يستقبح فعل أحد؛ لأنه فعل الله في الحقيقة، قال الشاعر:

إذا ما رأيت الله في الكل فاعلًا ... رأيت جميع الكائنات ملاحًا

وإن لم تر إلا مظاهر صنعه ... حجبت فصيرت الحسان قباحًا" (٢)

* * *


(١) حاشية الجوهرة: ٣٤ - وحاشية الخريدة: ٦٧.
(٢) حاشية الجلالين: (١/ ١٢١)، (١/ ١٥٦).

<<  <   >  >>