للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أهل العلم، وهى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا سيما في العقائد، ولو مشينا على فرضهم الباطل أن ظاهر آيات الصفات الكفر؛ فالنبى - صلى الله عليه وسلم - لم يؤول الاستواء بالاستيلاء ولم يؤول شيئًا من هذه التأويلات ولو كان المراد بها هذه التأويلات لبادر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيانها؛ لأنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالحاصل أنه يجب على كل مسلم أن يعتقد هذا الاعتقاد، الذي يحل جميع الشبه، ويجيب عن جميع الأسئلة، وهو أن الإنسان إذا سمع وصفًا وصف به خالق السموات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فليملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزهًا معظمًا له جل وعلا، غير متنجس بأقذار التشبيه، فتكون أرض قلبه قابلة للإيمان والتصديق بصفات الله التي تمدح بها". (١)

- أولًا: صفة الرحمة والغضب والمحبة:

يرى الصاوى كما تقدم، أن هذه الصفات مما يوهم ظاهرها مماثلة الحوادث، لذا التزم بصرفها عن ظاهرها وتأويلها بما يمنع تلك المماثلة، ولما كان لها تعلق بالإرادة فسرها بها أو بما يلزم منها، فالرحمة إرادة الإنعام أو الإنعام وهكذا ..

وحجته في ذلك تنزيه الله تعالى عن مماثلة الحوادث.

ولنقض هذه الشبهة التي كانت سببًا لتحريف الكثير من نصوص الصفات، أقول: ليس في إثبات صفة الرحمة والمحبة والغضب ما يوجب مماثلته تعالى لخلقه، فقد أجمعت الأشاعرة ومنهم الصاوى على إثبات صفة الإرادة إلى غيرها من صفات المعانى، ولم يحملهم هذا الإثبات على اعتقاد مماثلتها لصفات المخلوقين، فكما تأتى لهم إثباتها على هذا الوجه، كان لازمًا لهم إثبات كل ما ثبت من صفات الله تبارك وتعالى دون تمثيل ولا تعطيل؛ لأن القول في بعض الصفات كالقول في الآخر (٢).


(١) الأسماء والصفات: ٣٨.
(٢) انظر: التدمرية: ٣٢.

<<  <   >  >>