للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الأول): تعريف التوحيد]

مع تأثر المتكلمين البين في قضايا الإلهيات بالرد على المناهج الكفرية في توحيد الباري تعالى، سواء فيها عقيدة اليهود أو النصارى أو الفلاسفة الإغريق؛ يتوجه الحديث عن حقيقة الإله في ضوء تلك المناهج الضالة التي انحرفت عن مسالك الأنبياء والمرسلين في الإيمان بهذه الحقيقة الفطرية.

أما عن معتقد الفلاسفة في الذات الإلهية، فإن تنزيه الإله عن التركيب عندهم يعد حجر أساس في تصورهم لمعنى التوحيد، فالتوحيد هو نفى التركيب وإثباته عكسه، (١) بمعنى أن منهجهم في إثبات الإله إنما تحقق بناء على اعتقاد بساطة الإله ونفى الصفات عنه؛ فإنهم لما اعتقدوا أن في إثبات الإرادة وسائر الصفات ما يغاير تلك الوحدانية المزعومة باعتقاد اقتضائها للتركيب؛ فقد امتنعوا عن إثباتها، وخلصوا في الإقرار بحدوث العالم المتغير عن ذلك الإله بالوجود الضرورى الحتمى، الذي تبلورت فكرته في نظرية الفيض والصدور.

أما عن عقيدة اليهود والنصارى في الذات الإلهية، فلا يخفى ما فيها من إلحاد وخروج عن مقتضى التوحيد الذي أقرته رسالات الأنبياء، إذ يتلخص انحرافهم في اعتقاد الشريك في الربوبية، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠].

وقد بين القرآن الكريم في كثير من الآيات بطلان تلك العقائد الكفرية، ببيان ما تستلزمه من إلحاق النقص والخروج عن مقتضى التنزيه والتقديس الذي يستحقه الرب تعالى لتمام كماله وقيوميته، ومن ذلك قوله عز وجل: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا


(١) انظر: المبحث السابق في بيان الخطأ في تصورهم لمعنى التركيب حيث قاموا بنفى الصفات اعتمادًا على هذه الحجة الباطلة، واعتقادًا أن في إثباتهم ما يؤدى إلى التركيب، حتى لم يعد هناك ما يميز إلههم عن العدم سوى تصور الوجود التصور الذهنى المجرد: ١٤٥.

<<  <   >  >>