للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول: "المعنى: لو فرض له شريك في الملك لنازعه وقاتله واستعلى عليه لكنه لم يوجد من هو بهذه المثابة، فبطل التعدد وثبتت الوحدانية". (١)

كما أنه يستدل للوحدانية بدليل النفس وما فيها من بديع الإتقان، يقول في تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: ١٨٩]: "أي لأنه المالك المتصرف. وهذا أعظم دليل على انفراده بالوحدانية". (٢)

[المناقشة]

يعد هذا الدليل من البراهين المسلمة التي يجزم بصدقها، بل هو مقتضى الضرورة العقلية، إذ كل ما يمكن حدوثه من افتراض تعدد الآلهة قد علم امتناعه بما فطرت عليه النفوس، ومن ذلك: استحالة اجتماع النقيضين، واستحالة ارتفاعهما، وكذلك استحالة اجتماع مؤثرين على فعل واحد، واستحالة أن يكون الرب عاجزًا.

فكل ما تقدم هو من المبادئ الأولية، التي يستدل بها، ولا يستدل لها.

يقول شيخ الإسلام بعد تقريره للدليل على طريقة المتكلمين: "وهذا أمر مستقر في فطر بنى آدم وعقولهم، وإن تنوعت العبارات عنه، وإن كان قد يحتاج إذا تغيرت فطرة أحدهم باشتباه الألفاظ والمعانى إلى بسط وإيضاح" (٣)، وقد رد - رحمه الله - على من انتقد دلالته على إثبات الوحدانية من الفلاسفة، كابن رشد وغيره (٤)، فقال: "ليس الأمر كما ظنه هؤلاء؛ بل هو برهان صحيح عقلى، كما قدره فحول النظار". (٥)


(١) حاشية الجلالين: (٢/ ٣٢٧).
(٢) المرجع السابق: (٢/ ١٠٤).
(٣) الدرء: (٩/ ٣٦٤).
(٤) وكان محل اعتراضهم أن متقدمى الأشاعرة لم يوردوا في الدليل إمكان اتفاق الآلهة، بل اكتفوا بما يلزم من اختلافهم، ولكن متأخرى الأشاعرة فطنوا إلى هذا وأوردوا بطلان الاتفاق كما ذكر الصاوى، انظر الصفحة السابقة، ولشيخ الإسلام كلام أبطل فيه هذا الاعتراض بين فيه أن امتناع اختلاف الآلهة أبلغ في بيان عجزها [فإنه إذا لم يجز أن يريد أحدهما ويفعل إلا ما يريده الآخر ويفعله لزم أن لا يكون واحد منهما قادرًا]. الدرء: (٩/ ٣٥٦) وانظر: منهاج السنة النبوية: (٣/ ٣٠٦ - ٣٠٧).
(٥) الدرء: (٩/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>