للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الثاني): الحالة الاجتماعية]

إن الفصل بين الحالة السياسية والحالة الاجتماعية لعصر ما مما يعسر على الباحث تصوره؛ وذلك لأن الحالة الاجتماعية ما هي إلا صورة تنعكس عليها آيات سياسة الحكم في تلك الآونة، فإذا صلحت السياسة وسارت في نهج موفق في تلبية احتياجات الرعية، وإقامة العدل بينهم فإن الحالة الاجتماعية تكون خير بينة تشهد بحسن السياسة، ومن هنا فقد كانت للمثالب السياسية في هذه الآونة نتائج مزرية في الحياة الاجتماعية في شتى مجالاتها.

لقد خلف استبداد الحكام من قبل العثمانيين المتأخربن بجمع الأموال وتحصيل الضرائب على تنوعها ثم توزيعها على وجوهها المختلفة، دون مراعاة لميزان العدل، ودون مراقبة لما كان يصدر عن الكثير من العمال القائمين بهذه المهمة صورًا من الظلم المؤلم، أنَّت به الرعايا وأوجعت، فالفقر والجوع والعرى أحد مظاهر ذلك الظلم.

ومن صور ذلك الظلم ما كان يعانيه الفلاح الذي يرتدى الملابس الخشنة والرخيصة، ويعيش على خبز الذرة، ويسكن بيوتًا من الطين بالاشتراك مع البهائم، وكان يعيش على حد الكفاف؛ إذ أن المحصول كان يوضع بمجرد جمعه ودرسه تحت تصرف الصراف وشيخ البلد، ممثلى سلطة الكاشف، أو سلطة الملتزم على المنطقة، فلم يكن في وسع الفلاح أن يجادل أو يناقش مع السلطة التي كانت تستولى على المال الميرى نقدًا وعينًا (١).

ولهذا مع غيره من ألوان الطغيان قاسى الناس كثيرًا من ظلم الحكام وفسادهم، خصوصًا في الأرياف، حيث أخذ الناس يهربون من قراهم ويلتجئون إلى المدن،


(١) انظر: مصر الحديثة: جلال يحيى: ١٨٤.

<<  <   >  >>