للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتابعين لهم بإحسان، فإنه لم يكن أحد منهم يلتزم هذا النوع من الاستدلال وإنما يكون بحسب ما يقتضيه المقام من المقال. (١)

لذا فإن الكثير من "نظار المسلمين يعيبون طريقة أهل المنطق، ويبينون ما فيها من العى واللكنة وقصور العقل وعجز النطق. ويبينون أنها إلى إفساد المنطق العقلى واللسانى أقرب منها إلى تقويم ذلك. ولا يرضون أن يسلكوها في نظرهم ومناظراتهم، لا مع من يوالونه ولا مع من يعادونه" (٢).

* * *

ثالثًا: منهجه في الاستدلال بالقرآن والسنة:

لقد واجه المتكلمون في تثبيت أصولهم القائمة على اعتماد العقل أساسًا في العقائد الأصولية الكثير من المعارضات الشرعية؛ إذ تقتضى حقيقة الإيمان المنجى الإقرار بها بل والتصديق بها جزمًا، فحين بنى المتكلمون أصل اعتقادهم في إثبات وجود الله تعالى على دليل الحدوث المعروف، التزموا للإبقاء على سلامته من المعارضة عددًا من الثوابت العقلية - عندهم - اعتقدوا أنها من اليقينيات، ومع ذلك فقد كان في هذه الأصول العقلية المبتدعة ما يخالف الكثير من الأدلة الشرعية التي مبنى التصديق بها الإيمان بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرآن والسنة.

وتماديًا في التمسك بهذه الأصول المبتدعة، وإلحاحًا في التأصيل لها، فقد قام المتكلمون بالطعن في الأدلة الشرعية التي تخالف ما ظنوه قواطع عقلية، ولكن على هيئة يبقى بها الإيمان على ظاهره من التصديق الشامل لكل ما جاء به الكتاب والسنة، وكان لهم في ذلك سبيلان؛ الطعن في الثبوت والطعن في الدلالة، أما الطعن في الثبوت فقد راموا به إبطال المعارض الشرعي الذي لم يثبت بالطريق المتواتر، فكان حجتهم في عدم اعتماده في رد مسلماتهم العقلية كونه ظنى الثبوت، فحكموا بعدم جواز الأخذ به في العقائد.


(١) المرجع السابق: (١/ ١٩٠ - ١٩٥) بتصرف.
(٢) المرجع السابق: (١/ ١٩٦) وقد أشار بذلك شيخ الإسلام إلى حال المتكلمين قبل زمن الغزالي الذي أدخل هذا الفن الدخيل في تقنين الأصول.

<<  <   >  >>