للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن بهذه الصفات ثبتت المعجزة، والمعجزة ثبتت هذه الصفات، فصار كل متوقفًا على الآخر" (١).

ومقصوده من هذا أن الرسول إذا جاء بدليل، يصدق كونه مرسلًا من عند الله، فلا بد أولًا من الإيمان بوجود الرب تعالى، والإيمان بكونه ربًا خالقًا قادرًا أراد إرسال هذا الرسول، أي أنه متصف بصفات الربوبية.

بمعنى أن الإيمان بصدق الرسول؛ يستلزم الإيمان أولًا بوجود الرب المرسل، وهذا مما لا يمكن استفادته على حد رأيه من كلام الرسول؛ لأنه يلزم أن يكون الدليل هو المدلول، وهذا دور كما تقرر عنده.

* * *

ثانيًا: حجية الإلهام:

لقد كان لهذا الانحراف الخطير، الذي استقر عليه المنهج الأشعري، في الاعتماد على العقل والإعلاء من شأنه؛ أثر معاكس يمكن تصنيفه في جملة ردود الأفعال، التي تنتج عن عدم الاعتدال وانتهاج التوسط، والتزام الحجة الواضحة، فهؤلاء المتكلمون لما أغرقوا في اعتماد العقل، وقصروا تقييم النصوص من حيث القبول أو الرد على ما تقرر بطريقه؛ أدى بهم ذلك إلى إحداث مصدر آخر، يكون في مقابل العقل، وبنفس الأهمية من حيث المرجعية في تقرير الحقائق الدينية، دون أن تحكمه تلك القوانين أو الأصول الوضعية، التي أعملوا دلالتها في المسلك العقلى، فكان ذلك هو مصدر الإلهام، الذي استلهم الصوفية تحكيمه في أجواء الهيمنة العقلية الجافة، التي كان يعيشها المتكلمون، ومن هنا نجد الغزالي بعد أن مر بالتجربة الصوفية، يقول: "ولا تنكرن درجات الكشف، فإن البصيرة الباطنة كالبصر الظاهر، وفرق بين ما يتضح في وقت الإسفار، وبين ما يتضح ضحوة النهار" (٢).


(١) حاشية جوهرة التوحيد: ١٢. وسيأتي تفصيل مراده في مبحث: الاستدلال على وجود الله تعالى.
(٢) المقصد الأسنى: ٨٧.

<<  <   >  >>