من أهم ما اختص به منهج السلف - رضوان الله تعالى عليهم - عن مناهج غيرهم من أهل الأهواء والبدع:[الوسطية]، ذلكم المعلم البارز الذي يمثل أقوى الدعائم التي يرتكز عليها مذهب السلف الصالح، ولعل القضايا المتعلقة بالإيمان جملة وتفصيلًا، تعد من أهم المسائل التي تظهر فيها شيمة الاعتدال والوسطية، فالإيمان عند السلف: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان.
فبإدخالهم العمل في مسمى الإيمان؛ خالفوا أهل التفريط من المرجئة الذين أخرجوا العمل من الإيمان، وباعتقادهم حصول الزيادة والنقصان فيه دون إزالته بالكلية إذا لم يؤد النقص إلى القدح في أصل الإيمان؛ خالفوا أهل الغلو من الخوارج الذين قاموا بتكفير مرتكب الكبيرة، وكل هذه الحقائق المتعلقة بمفهوم الإيمان الشرعي إنما استقاها السلف الصالح من معين الكتاب والسنة، ذلكم أنه قد استقر في أفئدتهم وعقولهم التلقى منهما والرد إليهما في كل أصل وفرع، وعليه فإن جميع المسائل التي تندرج في قضايا الإيمان إنما يعلم حقيقة رأى السلف فيها من خلال تعريفهم للإيمان، حقيقة مستوحاة من الهدى النبوى الكريم.
ولمكانة هذا الأصل:[الإيمان] حيث تقوم عليه ركائز الدين، وتبنى عليه أحكام الدنيا والآخرة (١)، ظهر النزاع فيه مع أول افتراق حدث في الأمة الإسلامية فالخوارج إنما تفرع خروجهم وانشقاقهم عن الفهم السقيم لهذا الأصل، حيث اعتقدوا أن الإيمان قول وعمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص؛ لأن نقصانه يعني زواله بالكلية، فإنهم لما أقروا بدخول العمل في مسمى الإيمان، وظنوا أن العمل بمنزلة واحدة فسووا بين العمل الذي لا يصح إيمان المرء إلا به بسائر أنواع العمل من