للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الثالث): أفعال العباد]

تمثل هذه القضية محور النزاع في المسائل المتعلقة بالقدر، بين الفرق الإسلامية على اختلاف مذاهبها؛ فكل اختلاف وقع في مسائل القدر كانت قضية أفعال العباد هي أساسه من حيث المبدأ، ونتيجة له من حيث تنظير المقدمات، وتقعيد الأصول.

وحقيقة الخلاف في كل ذلك؛ ترجع إلى اعتقاد التناقض بين الشرع والقدر، وإلى هذه المهمة يلفت شيخ الإسلام أنظار الباحثين عن الحق، يقول - رحمه الله -: "ومسألة القدر يحتاج فيها إلى الإيمان بقدر الله، وإلى الإيمان بشرع الله، فطائفة غلب عليهم التصديق بالأمر والنهى، والوعد والوعيد، فظنوا أن هذا لا يتم إلا بالتكذيب بالقدر؛ فأخطئوا في التكذيب به، وطائفة ظنت أن الإيمان بالقدر لا يتم إلا بأن يقول: إن الرب تعالى يخلق ويأمر لا لحكمة ولا لرحمة" (١).

فالمعتزلة كما هو واضح من النص، غلبت جانب الشرع على القدر، وغلت في الإيمان بالتكليف؛ حتى طعنت في القدر، وأنه تعالى خالق لكل شيء، ومن ذلك أفعال العباد، وقدمت لهذه النتيجة مقدمات متعددة من تعليل أفعال الله تعالى بالحكمة، واستحالة الظلم عليه، وتحسين الأشياء وتقبيحها بالعقل، كل ذلك كان بمثابة الأدلة التي أرادت بها أن تدعم موقفها من نفى هذه المرتبة من مراتب القدر المتعلقة بأفعال العباد، وقد سبق بيان مكمن ضلالها في تلك المسائل، وأنها بإرجاعها كل شيء للعقل؛ ابتعدت عن هدى الإيمان الذي يقضى بالتسليم التام لقضاء الله تعالى وقدره كما في الحديث الشريف: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) (٢).


(١) درء التعارض: (٨/ ٤٠٥).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان - باب سؤال جبريل - عليه السلام -.

<<  <   >  >>