للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن المسلك الخاطئ الذي التزمته في الاستدلال على ما يجب في حق الله تعالى وما يمتنع عنه؛ كان له أكبر الأثر فيما وقعت فيه من مخالفة النهج القويم المستمد من الكتاب والسنة، فقياس الشاهد على الغائب حملها على رد كل ما استقبحته من الأفعال المشاهدة من العباد وقاست عليها أفعال الرب تعالى دون أدنى تفريق أو إعمال لداعى القطرة الذي يهتف بأنه الرب سبحانه ليس كمثله أحد، وبهذا طعنت في أعظم حقيقة عرفها الوجود وهى انفراد الرب تعالى بالخلق والتدبير.

وفي مقابل هذه الفئة ظهرت الجبرية معظمة لجانب القدر، ملتزمة للإقرار بربوبية الله تعالى، ولكنها أجحفت في الجانب الآخر: جانب الشرع، فالجبرية الغلاة أتباع الجهم ذهبوا إلى نفى الاختيار تمامًا عن العبد، وعدم التفريق بين ما يضطر إليه من الأفعال وما يريده، ونفت بذلك قدرة العبد تمامًا، وردت الشرع، وجوزت على الله تعالى أن يعذب من قضى ساعات عمره في طاعة الله تعالى، وليس هذا هو مجال عرض أثر هذا المعتقد الضال عليها، وكان ممن تأثر بمنهجها فرقة الأشاعرة؛ حيث عدلت فيه بعض التعديلات؛ نتيجة اعتبارها للتكليف وجانب الشرع، فأثبتت قدرة العبد الحادثة، ونسبت له الكسب؛ حتى يصح تكليفه بذلك، ولكن مفهوم الكسب عندها داخله اضطراب كبير، لم يعد يملك نتيجة له أحقية مفارقة مذهب الجبر، مع اختلاف في أثر المعتقد على الإيمان بالشرع، وسيأتي الحديث عنه فيما يلى إن شاء الله.

وقد توسط السلف الصالح بين هذين التيارين المتعاكسين، فلم يغلبوا جانبًا على آخر، وعليه فإن معتقدهم فيما يتعلق بأفعال العباد يقوم على أصلين:

الأول: أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، فالمعتقد الصحيح في كل ما هو موجود يستند إلى مبدأ الثنائية، تلك الحقيقة التي أشارت إليها الفاتحة في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فأثبتت الرب الواحد، والمربوب وهو العالم بأسره، ولا تخرج أفعال العباد عن أن تكون مربوبة لله تعالى؛ لعموم ربوبيته،

<<  <   >  >>