للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الثاني): دليل التوحيد]

لما انحصر المراد بالتوحيد عند المتكلمين على توحيد الربوبية؛ فقد اعتنوا بالاستدلال له عقلًا، وأجازوا ذلك بطريق النقل، وقد استندوا في ذلك إلى عدم توقف معرفة السمع عليه، يقول الإيجى: "والوحدة، فهذا يمكن إثباته بالعقل، إذ يمتنع خلافه عقلًا بالدليل الدال عليه، وبالنقل لعدم توقفه عليه". (١)

ودليلهم الذي اعتمدوا عليه في إثبات الوحدانية هو ما يسمى بدليل التمانع.

ويستند هذا الدليل في أساسه إلى مقدمتين ضروريتين، الأولى: وجود هذا العالم بما هو عليه من انتظام وإتقان.

الثانية: أن هذا الانتظام لا بد أن يكون مدبره واحدًا.

والدليل على استحالة تعدد المدبرين هو امتناع تعدد الإرادات على المخلوقات؛ إذ يلزم من تعددها إما اتفاق الآلهة أو اختلافهم، وكلاهما باطل.

أما الاتفاق فلما يلزمه من اجتماع مؤثرين على فعل واحد، ومحله إذا اتفقا على إيجاده في وقت واحد.

ومع حصوله مرتبًا فيبطل، لما يلزم من عجز الآخر، أو تحصيل الحاصل.

أما الاختلاف بأن يريد أحدهما إيجاد شيء، والآخر إعدامه، فلا يخلو إما أن ينفذ مرادهما معًا، فهذا باطل، لاستحالة اجتماع النقيضين: الوجود والعدم.

أو لا ينفذ مراد واحد منهما فباطل أيضًا لاستحالة ارتفاع النقيضين: الوجود والعدم، وللزوم عجزهما معًا.

فلم يبق من هذه القسمة العقلية إلا الفرض الأخير: أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر، فثبتت بذلك الوحدانية، وانتفى إمكان التعدد. (٢)


(١) المواقف: ٤٠.
(٢) انظر الدليل: لمع الأدلة للجوينى: ٨٦ - ٨٧. والإرشاد له: ٥٣ - ٥٧. والمحصل للرازي: ١٩٣. والإنصاف للباقلانى: ٤٩ - ٥٠.

<<  <   >  >>