[(المبحث الثاني): منهج الصوفية في التأصيل للمقامات]
لقد اجتهد أهل التصوف في التأصيل لمذهبهم من الكتاب والسنة؛ إمعانًا منهم في التبرير لكل ما أتوا به من أمور لم يكن لها مستند من الشرع، وحتى يتم لهم المراد؛ اعتمدوا التأويل كوسيلة أساسية يتمكنون بها من لي أعناق النصوص؛ وفقًا لما أملته عليهم أهواءهم، بعيدًا عن حقائق الدين والعقل، فقد "استطاع الصوفية - متبعين في ذلك الشيعة - أن يبرهنوا بطريقة تأويل نصوص الكتاب والسنة تأويلًا يلائم أغراضهم، على أن كل آية، بل كل كلمة في القرآن، تخفى وراءها معنى باطنًا لا يكشفه الله إلا للخاصة من عباده"(١).
وكانت المقامات والأحوال؛ هي أهم ما يجتهد الصوفي المربى من تأصيلها؛ ومن هذا المبدأ ظهر التفسير الإشاري؛ كأبرز معلم يدل على تبنى هذا الفكر وتبلوره عندهم، حتى غدى هذا النوع من التفاسير مشتهرًا بين العامة، لا يكاد يفطن للخلط الذي حواه إلا أولو العلم المحققون.
ولم تقتصر جهود أولئك المبتدعة على تحريف آيات الكتاب الكريم لتقرير مبادئهم وأصولهم، بل تعدى فعلهم ذلك إلى السنة المطهرة على صاحبها - أتم الصلاة وأزكى التسليم -، فأخذوا يحرفون الكلم؛ ليا بألسنتهم وطعنًا في الدين, فامتدت أيديهم إلى عدد من الأحاديث، على مختلف درجاتها من الصحة إلى الضعف، وراموا هدم حقائقها الإيمانية بمعاول التأويل؛ فضلوا وأضلوا، ولكن أنا لهم؛ وقد قام العلماء المحققون، الذين نالوا شرف النصح لدين الله، للذود عن حماه المقدسة