للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتظهر نزعة التصوف جلية في هذه المسألة، حيث يقرر الصاوى أن معرفة الله تعالى قد تحصل للعبد بلا دليل، بل هي محض فضل ونور يقذفه الله تعالى في قلب عبده فيعرفه ويؤمن به. يقول: "فمعرفة الله تعالى تكون ضرورية لأهل الكشف والبصيرة النيرة، ونظرية لأهل الدليل" (١)

وفي موضع آخر يوضح حقيقة هذه الضرورة ووجه كونها كذلك. يقول: "فمعرفة العبد ربه نور من الله يقذفه في قلبه؛ فيدرك أسرار ملكه ويشاهد غيب ملكوته ويلاحظ صفاته" (٢).

ولا يكتفى بذلك بل إنه يضفى على هذه المعرفة نوعًا من الخصوصية، ليست لتلك التي تحصل بطريق النظر، حيث يقول: "واعلم أن المعرفة على قسمين خاصة وعامة. فالعامة معرفة الله بالدليل، والخاصة على ثلاثة أقسام: شهود أفعال وهى للأبرار، وشهود أسماء وصفات، وهى للأخيار، وشهود ذات، وهى لخيار الخيار". (٣)

هذا ويوافق الصاوى الحق بأن معرفة الله أمر فطرى وذلك في معرض تقريره لكلام المحلى، إلا أنه لا يذكر هذا الرأى في تحريره لمسائل الاعتقاد.

ومع ما تقدم فإنه حين يعرض أقوال العلماء في المسألة، فإنه يرجح أهمية النظر ولا يخرجه عن كونه واجبًا يقع في العصيان من حاد عنه، وكانت لديه أهلية النظر (٤).

* * *

[المناقشة]

تبين مما تقدم أن الصاوى يوافق جمهور الأشاعرة في أهمية النظر وكونه طريقًا لمعرفة الله تعالى. ولكنه يخالفهم في قصر المعرفة عليه، وامتناع حصولها إلا


(١) حاشية الخريدة البهية: ٣٩.
(٢) المرجع السابق: ٤١، ٤٢، والحاشية على جوهرة التوحيد: ١٤.
(٣) الحاشية على الصلوات الدرديرية: ٦.
(٤) انظر: حاشية الجلالين: (١/ ١١) حاشية جوهرة التوحيد: ١٣.

<<  <   >  >>