للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الثالث): شهادة التوحيد ونواقضها]

لشهادة التوحيد مكانة عظيمة في دين الله تعالى، فهى أول أركان الإسلام، وأعلى شعب الإيمان، وأول ما يؤمر العبد به، وآخر ما يطلب منه، وفضائلها في الدين كثيرة لا مجال لحصرها الآن، وتعنى هذه الشهادة التزامًا تامًا بأصول الدين وفروعه من حيث المعتقد والتطبيق، وتستند في فضلها إلى كونها دليلًا يثبت الإقرار بالتوحيد: إفراد الله تعالى بالعبادة، فلا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله.

ولما كان اعتقاد المتكلمين في معنى التوحيد ينحصر في إثبات ربوبية الله تعالى، قاموا بتفسير الشهادة التي يعلن بها الدخول في الإسلام بما يوافق ذلك، حيث فسروا الإله بأنه القادر على الاختراع. وهذا ما حكاه ابن فورك والبغدادى عن الأشعري، يقول ابن فورك: "واختار - أي الأشعري - ان معنى وصفنا له أنه إله: أن له الإلهية، وفسر الإلهية بأنها هي قدرته على اختراع الجواهر والأعراض، وذكر أن ذلك أحد الأقاويل المقولة في معنى الإله". (١)

وبهذا صار مفهوم التوحيد ينحصر في تقرير الاعتقاد العلمى: توحيد المعرفة والإثبات (٢)، وأغفلوا الجانب الأعظم منه وهو توحيد الإرادة والطلب (٣).

وكان لهذا الاعتقاد عند المتكلمين أثر واضح فيما يتعلق بالعبادة، وذلك أنهم حين قاموا بإبعاد العبادة عن صميم التوحيد؛ أدى ذلك إلى وجود فراغ كبير عمد أهل التصوف إلى شغله بالكلام عن الإرادة والسلوك، بما هو خارج عن هدى الكتاب والسنة، فكل ما عندهم في هذا المجال خلط بيِّن، يظهر فيه تأثر واضح بمفاهيم دخيلة تتحدث بلغة غير مفهومة (٤).


(١) مجرد مقالات الأشعري: ٤٧. وانظر: كلام البغدادي بنفس المعنى في أصول الدين: ١٢٣.
(٢) توحيد الله تعالى بأفعاله كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.
(٣) إفراد الله تعالى بالعبادة.
(٤) وهذا ما سنعرفه في الحديث عن نشأة التصوف: ٦٥٤.

<<  <   >  >>