للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الشيخ الصاوي]

يسير الصاوي على نفس نهج أشياخه في منع تعليل أفعال الله تعالى، ويحتج لذلك بنفس الشبهة التي احتج بها من قبله، وهى شبهة الاستكمال بالغير، ومع ذلك فهو يقر بوجود الحكمة الغائية في الفعل والتى يشهد بوجودها الإتقان والإحكام في كل ما خلقه تعالى في هذا الوجود، يقول في تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: ١٢٣]. "ليمكروا فيها: اللام إما لام العاقبة والصيرورة، نظير: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨]، أو لام العلة بمعنى الحكمة.

وأما قولهم: تنزه الله عن العلة، فمعناه: العلة الباعثة على الفعل ليتكمل به، وأما الحكم فلا تخلو أفعال الله عنها، سبحانك ما خلقت هذا عبثًا". (١)

ويقول في تفسير قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} [الفتح: ٢]: "للام للعلة الغائية؛ وهى المترتبة على آخر الفعل، وليست علة باعثة؛ لاستحالة الأغراض على الله تعالى في الأفعال، والأحكام". (٢)

وعلى هذا الأساس يفسر الحكمة، كصفة في حق المولى تعالى، يقول:

- "ذو الحكمة: أي: الإتقان، فالحكيم ذو الصنع المتقن". (٣)

- "ذو الحكمة: أي: العلم التام، فالحكيم بمعنى العالم". (٤)

ولكن له تفسير آخر لهذه الصفة العظيمة يناقض مذهبه في إثبات الحكمة بمعنى العلة الغائية دون الباعثة - على فرض التفريق بينهما -، يقول: "ذو حكمة، وهى وضع الشيء في محله". (٥)


(١) المرجع السابق: (٢/ ٤١).
(٢) المرجع السابق: (٤/ ٩١).
(٣) حاشية الجلالين: (١/ ٢٠ - ١٠١)، شرح المنظومة: ١٢٦.
(٤) المرجع السابق.
(٥) حاشية الجلالين: (١/ ١٣٠ - ٢٤٤).

<<  <   >  >>