للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصبحت بذلك كتب العقائد عند المتأخرين لا تكاد تخلو من الحديث في التصوف باعتباره متممًا للكلام عن المعتقد لا داخلًا في حقيقته، ومن جراء ذلك الخلط الذي سببه إغفال المراد الأسمى من التوحيد؛ حصل اضطراب كبير في المفاهيم حول قضية التكفير، حيث انحصرت نواقض التوحيد في الجانب الاعتقادى دون العملى، مما هيأ لأصحاب التصوف والسلوك منفذًا واسعًا يلجون منه باسم الدين، يبررون به ما ابتدعوا من أمور ما أنزل الله بها من سلطان، كالتوسل بالصالحين وشد الرحال إلى قبورهم، ودعاء النبي والاستغاثة به، ولم يكتفوا بذلك بل وجهوا سهامهم إلى صميم المعتقد؛ فذهبوا إلى تفسير التوحيد بما يخدم أغراضهم في تمييع المبادئ حول المعتقد، حيث فسروه بما يسمى بوحدة الشهود، التي أرادوا بها الخلط بين مفهوم الربوبية وعقيدة الجبر؛ حتى يبرروا كل ما اشتهروا به من مخالفة للشرع والمعتقد والتى صارت بدورها مدخلًا لأهل الحلول يستندون إليه فيما سمى بوحدة الوجود، كل هذا لا يعارض انتسابهم إلى المذهب الأشعري، حتى عد الكثير من الصوفية ضمن من انتسبوا إلى الأشعري وأخذوا عنه كأمثال: القشيرى (١) والغزالى. وصار معهودًا أن يكون من ينتسب إلى الأشعرية صوفى بل من كبار الصوفية وعلى طريقة من أشهر طرقهم.

* * *

[رأى الشيخ الصاوى]

يذهب الصاوى إلى ما ذهب إليه المتكلمون في معنى الشهادة، حيث يفسر الإله بما يفهم منه إثبات الربوبية، يقول في تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: ٢] والمقصود من ذلك التشنيع والرد عليهم في دعواهم التثليث؛ لأن حقيقة الإله هو المستغنى عما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه". (٢)


(١) هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيرى النيسابورى الشافعي الصوفى صاحب الرسالة في التصوف، توفى سنة: ٤٦٥ هـ انظر: سير أعلام النبلاء: (١٨/ ٢٢٧).
(٢) حاشية الجلالين: (١/ ٢٨٠).

<<  <   >  >>