لما كان بلوغ هذه المقامات من أسمى مقاصد الصوفية في تحقيق التوحيد، وكان الصاوي من تابعي التأصيل لهذه المراتب من جهة الشرع، أخذ في الاستدلال لتلك المقامات بالحديث القدسي المعروف، يقول:"فأشار في الحديث إلى مقام السائرين بقوله: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل).
وإلى مقام الفناء المحض بقوله:(حتى أحبه).
وإلى مقام البقاء بقوله:(فإذا أحببته كنت سمعه)، ومعناه كنت مشهودًا قبل سمعه ومسموعه، وبصره ومبصره، ويده وبطشها، ورجله ومشيها، لكونه يشهدني قبل كل شيء، وهذه آثارى لا ترى له إلا بعد شهودي، وهو معنى قول بعض العارفين:
تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
ويسترسل في توضيح هذه المفاهيم من هذا البيت، فيقول: "فقوله: تلك آثارنا، أمرنا بالسير لمن يستدل بالصنعة على الصانع.
وقوله: فانظروا بعدنا، أي؛ بعد الفناء فينا بسيركم إلينا إلى الآثار، أي؛ فاشهدوا آثارنا بعد شهودنا، وهذا مقام البقاء". (١)
وهو مع استناده إلى الأحاديث في التأصيل لهذه المقامات؛ فإنه أيضًا يستمد لتشريعها من حياة الأبرار بدءً بسيدهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، والأنبياء - صلى الله عليهم وسلم تسليما كثيرًا -، وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين -، يقول: "وتارة تضاف حضرة الإطلاق إلى الله تعالى، يقال: حضرة الله حضرة الإطلاق، معناه الفناء المطلق، والكمال المطلق، والتعزز المطلق، وهذا أيضًا يشهده العارفون، فإذا شهده العارف ذاب من خشية الله، وخاف حتى من أعماله الصالحة،