للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو الذي قال فيه صاحب ورد السحر: إلهي إني أخاف أن تعذبني بأفضل أعمالي، فكيف لا أخاف من عقابك بأسوأ أعمالي.

وقال عمر بن الخطاب: ليت أم عمر لم تلد عمر، ليتني كبشًا فسمنني أهلي وأكلوني. (١)

ومن شهودها: جثو الأنبياء على الركب يوم القيامة، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: شيبتني هود وأخواتها (٢) " (٣)

كما يستدل لمقام الفناء والبقاء بحال إبراهيم - عليه السلام - على جهة الخصوص، فيقول عن قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: ١٢٦]: "قول إبراهيم رب اجعل هذا البلد. . . إلخ يقتضى أن دأبه الدعاء، وما ورد من قوله حين ألقى في النار: حسبي من سؤالي علمه بحالي، يقتضي أنه لم يكن دأبه الدعاء، فما السر في ذلك؟ .

أجيب؛ بأنه كان في زمن إلقائه في النار في مقام الفناء والسكر، وهو الغيبة عن شهود الخلق بشهود الحق، فلا يشهد أثرًا، وفي زمن دعائه في مقام البقاء وجمع الجمع وهو البقاء بالله بمعنى شهود الآثار بعد شهود مؤثرها، فمقامه في حال دعائه أعلى وأجل من مقامه في حال تركه له، ولا يقاس بمقامات الأنبياء مقام، بل بدايتهم أعلى وأجل من نهاية غيرهم، فالأولياء وإن عظموا لا يصلون لأدنى رتب الأنبياء، وأما قول أبي الحسن الشاذلي: وأقرب مني بقدرتك قربًا تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك، فمعناه قربًا يليق بى؛ لا كقرب الخليل، فقد طلب من الله أن يذيقه قطرة من بحار تجلياته، التي تجلى بها على الخليل فأسكره، فلم يشهد شيئًا سواه" (٤)


(١) أخرج بنحوه ابن أبي شيبة في مصنفه: كلام عمر - رضي الله عنه -، رقم الحديث: ٤٠: (٨/ ١٥٣).
(٢) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب تفسير القرآن, باب من سورة الواقعة، رقم الحديث: ٣٢٩٧، وقال حديث حسن: (٥/ ٣٧٥). وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم: ٢٦٢٧: (٣/ ١١٣).
(٣) المرجع السابق: ٩١.
(٤) حاشية الجلالين: (٢/ ٢٧٦).

<<  <   >  >>