للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الرابع): الترقي في المقامات]

لما كان الهدف الأسمى - عند الصوفية - من العروج في هذه المقامات تحقق مقتضى الخلاص بتجلى المعارف النورانية حيث تنكشف الغيوب وتتحد الإرادة إلى غير ذلك من أوهامهم، فقد وضعوا للمريد عددًا من المجاهدات، التي يتم بها قطع عقبات النفس، وذلك بمحو أي خصلة فيها قد تحول دون صاحبها والتلذذ بأعلى هذه المقامات (١).

وبيان ذلك أن النفس عند المتصوفة يراد بها كل "ما كان معلولًا من أوصاف العبد، ومذمومًا من أخلاقة وأفعاله" (٢).

وإذا كان قد سبق الحديث عن أقسام المقامات من جهة ما يتعلق بها من أحكام، فإن الحديث هنا يختص ببيان حال النفس عند محاولة العروج والترقى في تلك المقامات، وأثرها على نجاح تلك المحاولة أو إخفاقها، ومن ثم بيان السبل التي ينصح بها المريد من أجل الخلوص من كل ما يمكن أن يحول دون تذليل تلك القواطع والصوارف.

وعند إرادة الكشف عن حقيقة هذه المجاهدات التي أجمع الصوفية على تأصيلها والدفاع عنها، فإن الحديث يرتبط بما سبقت الإشارة إليه من وجود تأثر واضح بالديانة البوذية، فإن الصوفى يعتقد "كما يعتقد الهندوسى أن نظامًا من التطهير لا بد منه لكى ينكشف عنه الغطاء، ويرقى إلى عالم الفيض والإلهام، والتطهير يكون بضروب من التفانى في الطاعات والتأمل والنظر والتدبر. . . . . . فالصوفى الكامل يحب الله لذاته لا رغبة في ثواب ولا خوف من عقاب" (٣).


(١) انظر: في التصوف والأخلاق، للدكتور/ عبد الفتاح بركة: ١٥٦.
(٢) الرسالة القشيرية: ٨٧.
(٣) قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة/ محمد بدران: (١٣/ ٢١٦).

<<  <   >  >>