للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا منهج معروف عند الصوفية، وقد قامت بوضع أساسه رابعة العدوية التي أثر عنها أقوال عدة في تقرير هذا المبدأ، ومن ذلك أنه حين سئلت عن حقيقة إيمانها، "قالت: ما عبدته خوفًا من ناره ولا طمعًا لجنته كالأجير السوء، عبدته حبًا له وشوقًا إليه" (١).

ويقول القشيرى عن أحدهم: حقيقة المحبة أن ينسى العبد حظه من الله عز وجل، وينسى حوائجه إليه.

وقيل: أوحى الله تعالى إلى عيسى - عليه السلام - أنى إذا اطلعت على قلب عبد، فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته من حبى" (٢).

ومن جملة الأسباب التي يتوصل بها إلى تذليل عوائق الطريق النفسية تجلى الأسماء الحسنى، حيث يعتقد الصوفى أن فناءه عن شهود السوى الذي حقيقته فناء عن شهود جميع الأفعال غير فعل الرب الذي هو الحقيقة الكونية القدرية يضفى عليه تجليات من صفات مشهوده الذي استغرق في مشاهدته، وبحسب استغراقه في استشعار الأسماء والصفات يكون حظه من تلك الصفات، وقد يغرق بعضهم في هذا حتى يدعى لنفسه منها ما يضفى عليه بعضًا من خصائص الربوبية، كالتصرف في الأكوان إلى غير ذلك (٣).

وهذا بلا شك تأثر واضح بالمعتقد الكفرى الفلسفى الإشراقى، الذي يقوم على مبدأ الفيض والصدور، فالعقل الفعال هو العقل العاشق وإذا اقترب منه الناسك تجلى عليه بالعلوم والمعارف وأحرز تقدمًا كبيرًا في الاقتراب من الإله أو التشبه به على قدر الطاقة (٤) وقد يصرح بعضهم (٥) بمماثلة هذا الكفر لعالم المثل الذي


(١) الكواكب الدرية، للمناوى: (١/ ٢٠٢). وانظر: نساء في محراب الحب الإلهى، رغداء الحمصى: ٢٠٥.
(٢) الرسالة: ٣٢٥.
(٣) انظر: الإنسان الكامل، عبد الرحمن بدوى: ٢٠٦.
(٤) انظر: الفلسفة العربية عبر التاريخ، رمزى نجار: الفارابى: ٩٤.
(٥) هو عبد الرحمن الأنصارى المعروف بابن الدباغ، توفى سنة: ٦٩٦ هـ انظر: مقدمة كتابه مشارق الأنوار تحقيق: ريتر.

<<  <   >  >>